فصل: بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ:

ذَكَرَ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ تَتَعَلَّقَانِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ أَمْرٍ فِي وَقْتٍ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ (مَاتَ نَصْرَانِيٌّ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ أَسْلَمْتُ بَعْدَ مَوْتِهِ) وَلِي اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ (وَقَالَ وَارِثُهُ بَلْ) أَسْلَمْتِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَا مِيرَاثَ لَكِ (فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْوَارِثِ لَا قَوْلُهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَعِنْدَ زُفَرَ الْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ.
وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ، وَالظَّاهِرُ بِلَا حُجَّةٍ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ.
(وَكَذَا لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ) النَّصْرَانِيَّةُ (أَسْلَمْتُ قَبْلَ مَوْتِهِ) وَلِي اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ (وَقَالَ الْوَارِثُ بَلْ) أَسْلَمْتِ (بَعْدَهُ) وَلَيْسَ لَك الْمِيرَاثُ، يَعْنِي يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْوَارِثِ أَيْضًا، وَلَا يُحَكَّمُ الْحَالُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَيْهِ، أَمَّا الْوَرَثَةُ فَهُمْ الدَّافِعُونَ وَيَشْهَدُ لَهُمْ ظَاهِرُ الْحُدُوثِ أَيْضًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِصْحَابِ أَحْسَنُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالظَّاهِرِ فَإِنَّ مَا ثَبَتَ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ ظَاهِرًا كَإِخْبَارِ الْآحَادِ كَثِيرًا مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(وَإِنْ قَالَ الْمُودَعُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (هَذَا ابْنُ مُودِعِي) بِكَسْرِ الدَّالِ (الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ) أَيْ لِلْمُودِعِ (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ هَذَا الِابْنِ، قَيَّدَهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَلَا أَدْرِي أَمَاتَ أَمْ لَا لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِقَوْلِهِ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ (دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الِابْنِ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْوَارِثِ خِلَافَةً عَنْ الْمَيِّتِ.
قَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ بِالْبُنُوَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذَا أَخُوهُ شَقِيقُهُ، وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ يَدَّعِيهِ فَالْقَاضِي يَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَخِ بِشَرْطِ عَدَمِ الِابْنِ، لِأَنَّهُ وَارِثٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَيَّدَ بِالْوَارِثِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ وَصِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُودَعُ (لِآخَرَ) بَعْدَ إقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ (هَذَا ابْنُهُ أَيْضًا وَكَذَّبَهُ الْأَوَّلُ) وَقَالَ لَيْسَ لَهُ ابْنٌ غَيْرِي (قُضِيَ لِلْأَوَّلِ) لَا لِلثَّانِي لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ إقْرَارُهُ لِلْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ خَالِيًا عَنْ الْكَذِبِ انْقَطَعَ يَدُ الْمُقِرِّ عَنْ الْوَدِيعَةِ فَلَا عِبْرَةَ لِإِقْرَارِهِ لِلثَّانِي لِكَوْنِهِ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ضَمَانَ الْمُودَعِ لِلثَّانِي فَفِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ لِلِابْنِ الثَّانِي شَيْئًا بِإِقْرَارِهِ لَهُ.
وَفِي النِّهَايَةِ فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُودَعُ هُنَا لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي كَمَا قُلْنَا فِي مُودَعِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِمَا فِي يَدِهِ لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْقَاضِي قُلْنَا هَذَا أَيْضًا يَضْمَنُ نَصِيبَهُ إذَا دَفَعَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ رِضَى الْقَاضِي، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(وَلَوْ قُسِمَ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ بِشَهَادَةٍ لَمْ يَقُولُوا) أَيْ الشُّهُودُ (فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ (لَا نَعْرِفُ لَهُ وَارِثًا) آخَرَ (أَوْ غَرِيمًا آخَرَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ (كَفِيلٌ وَهُوَ) أَيْ أَخْذُ الْكَفِيلِ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي كَمَا فَعَلَهُ الْبَعْضُ (احْتِيَاطُ ظُلْمٍ) أَيْ مَيْلٍ عَنْ سَوَاءِ الطَّرِيقِ، وَهَذَا يَكْشِفُ عَنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ لَا كَمَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ.
وَفِي الْغَايَةِ أَيْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ أَسْبَقُ الْأَئِمَّةِ وَأَصْحَابَهُ يَبْرَأُ عَنْ مَذْهَبِ الِاعْتِزَالِ حَيْثُ قَالُوا: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، فَلْيُطَالَعْ.
(وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ) لِأَنَّ فِي التَّكْفِيلِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ وُجُودَ آخَرَ مَوْهُومٌ، فَلَا يُؤْخَذُ الثَّابِتُ قَطْعًا لَهُ، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَوَّلِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ فِي الثَّانِي وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَهُنَا لَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِعَدَمِ التَّكْفِيلِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَا غَرِيمَ لَهُ آخَرُ اتِّفَاقًا.
(وَمَنْ ادَّعَى) عَلَى آخَرَ (عَقَارًا إرْثًا لَهُ) أَيْ لِنَفْسِهِ (وَلِأَخِيهِ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ) الْمُدَّعَى (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ادَّعَاهُ (دُفِعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُدَّعِي (نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ مَا ادَّعَاهُ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ (وَتُرِكَ بَاقِيهِ) أَيْ تُرِكَ نِصْفُهُ الْبَاقِي وَهُوَ نَصِيبُ الْغَائِبِ (مَعَ ذِي الْيَدِ بِلَا أَخْذِ كَفِيلٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذِي الْيَدِ.
(وَلَوْ) كَانَ ذُو الْيَدِ (جَاحِدًا) دَعْوَاهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، هَذَا ظَاهِرٌ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ وَأَيْضًا فِي صُورَةِ الْجُحُودِ لِأَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ فِي اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي التَّعَرُّضُ بِلَا خَصْمٍ كَمَا إذَا رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ لَا يُنَازِعُهُ بِلَا خَصْمٍ وَقَدْ ارْتَفَعَ جُحُودُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، إذْ الْقَضِيَّةُ صَارَتْ مَعْلُومَةً فَلَا يَجْحَدُ بَعْدَهُ فَيَصِيرُ جُحُودُهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ فَلَا يَكُونُ خَائِنًا بِهِ، وَلِأَنَّ يَدَ الْجَاحِدِ يَدُ ضَمَانٍ وَيَدَ الْغَيْرِ أَمَانَةٌ، فَالْيَدُ الْأُولَى لِلْحِفْظِ أَوْلَى (وَقَالَا) إنْ لَمْ يَكُنْ جَاحِدًا فَكَذَا (إنْ كَانَ جَاحِدًا أُخِذَ) أَيْ أَخَذَ الْقَاضِي (النِّصْفُ الْآخَرُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذِي الْيَدِ (وَوُضِعَ عِنْدَ أَمِينٍ) حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ لِخِيَانَتِهِ بِجُحُودِهِ فَلَا نَظَرَ فِي تَرِكَتِهِ (وَفِي الْمَنْقُولِ يُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذِي الْيَدِ (بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ، فَقِيلَ يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَيُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ إلَى حُضُورِ صَاحِبِهِ اتِّفَاقًا فِي الْأَصَحِّ لِإِمْكَانِ كِتْمَانِ الْمَنْقُولِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ دُونَ بَيْعِ الْعَقَارِ (وَقِيلَ) هَذَا (عَلَى الْخِلَافِ) يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ يُتْرَكُ نِصْفُهُ الْبَاقِي مَعَ ذِي الْيَدِ وَلَا يَسْتَوْثِقُ نَفْسَهُ بِكَفِيلٍ وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَقِيلَ يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِالِاتِّفَاقِ لِجُحُودِهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ لَوْ مُقِرًّا كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ دُفِعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْغَائِبِ (نَصِيبُهُ بِدُونِ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى إعَادَتِهَا، وَإِلَى الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَتَنَصَّبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فَيُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمَيِّتِ، ثُمَّ يَكُونُ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ عَنْهُ، وَكَذَا يَقُومُ الْوَاحِدُ مَقَامَهُ فِيمَا عَلَيْهِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا فَيَقُومُ مَقَامَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اخْتِلَافًا وَذَكَرَهُ فِي الْفُصُولَيْنِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ، وَكَذَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ فِيمَا عَلَيْهِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ دَيْنًا، وَإِنْ كَانَ فِي دَعْوَى عَيْنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ لِيَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ نَفَذَ بِقَدْرِهِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا كُلِّهَا فِي يَدِهِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ أَيْضًا وَصَرَّحَ فِي الْفَتْحِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، وَهُوَ الْحَقُّ، وَغَيْرُهُ سَهْوٌ، انْتَهَى.
(وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ) أَيْ الثُّلُثُ يَقَعُ (عَلَى كُلِّ مَالٍ لَهُ) لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِي الْكُلِّ، وَكَذَا هِيَ.
(وَلَوْ قَالَ: مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُ صَدَقَةٌ فَهُوَ) يَقَعُ (عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ) كَالنَّقْدَيْنِ، وَمَالِ السَّوَائِمِ، وَأَمْوَالِ التِّجَارَاتِ، بَلَغَ النِّصَابَ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا قَدْرُهَا وَلَا شَرَائِطُهَا فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بَعْدَهُ بِقَدْرِ هَذَا عِنْدَنَا، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ اسْتِوَاؤُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا أَوْجَبَهُ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِعَبْدِهِ، إذْ الشَّرْعُ صَرَفَ الصَّدَقَةَ إلَى الْمَالِ الَّذِي فِيهِ الزَّكَاةُ لَا إلَى كُلِّ الْمَالِ، وَكَذَا يَنْصَرِفُ إيجَابُ الْعَبْدِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا تُعْتَبَرُ بِالْمِيرَاثِ فَتَجْرِي فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ (وَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي النَّذْرِ (أَرْضُ الْعُشْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِكَوْنِ مَصْرِفِهَا مَصَارِفَ الزَّكَاةِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا تَدْخُلُ أَرْضُ الْعُشْرِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمَئُونَةِ، وَكَذَا وَجَبَ الْعُشْرُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْأَوْقَافِ، وَضَمَّ الْإِمَامُ إلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَلَا تَدْخُلُ الْخَرَاجِيَّةُ لِتَمَحُّضِهَا لِلْمَئُونَةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِهَذَا الشَّخْصِ (مَالٌ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ (أَمْسَكَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ قَدْرَ (قُوتِهِ) أَيْ قُوتِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ (فَإِذَا أَصَابَ) بَعْدَ ذَلِكَ (مَالًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِ مَا أَمْسَكَ) لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا مَا أَوْجَبَهُ، وَلَمْ يُقَدِّرْ بِشَيْءٍ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَقِيلَ: الْمُحْتَرِفُ يُمْسِكُ قُوتَهُ لِيَوْمٍ، وَصَاحِبُ الْغَلَّةِ لِشَهْرٍ، وَصَاحِبُ الضِّيَاعِ لِسَنَةٍ عَلَى حَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي مُدَّةِ وُصُولِهِمْ إلَى الْمَالِ.
قَيَّدَ بِالْمَالِ وَالْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ شَيْءٍ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَالَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَةً لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَمَنْ أُوصِيَ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ) الْوَصِيُّ بِالْإِيصَاءِ (فَهُوَ وَصِيٌّ) حَتَّى لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي بِغَيْرِ عِلْمٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا عِلْمِهِ (بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ) أَيْ لَا يَصِحُّ بِدُونِ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِذَلِكَ وَلِذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الْمُوَكِّلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِخْلَافٌ بَعْدَ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمُوصِي فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَتْ بِاسْتِخْلَافٍ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْمَنُوبِ عَنْهُ، فَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ (وَقُبِلَ فِي الْإِخْبَارِ بِالتَّوْكِيلِ خَبَرُ فَرْدٍ، وَإِنْ) كَانَ ذَلِكَ الْفَرْدُ (فَاسِقًا) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ خَبَرُ عَدْلٍ بَلْ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا أَوْ صَغِيرًا مُمَيِّزًا إذْ لَيْسَ فِيهَا إلْزَامٌ كَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إنْ شَاءَ يَسْتَوْفِي (لَا) يُقْبَلُ (فِي الْعَزْلِ مِنْهُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى التَّوْكِيلِ لَكِنْ لَا مَعْنَى لَهُ بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَتْرُكَ قَوْلَهُ مِنْهُ وَاكْتَفَى فِي الْعَزْلِ أَيْ لَا يُقْبَلُ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ، تَدَبَّرْ.
(إلَّا خَبَرُ عَدْلٍ) أَيْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ فَاسِقَيْنِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ (أَوْ مَسْتُورَيْنِ) وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْفَاسِقَيْنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ قَبُولُهُ وَثُبُوتُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ تَأْثِيرَ خَبَرِ الْفَاسِقَيْنِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ خَبَرِ الْعَدْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَدْلٍ لَمْ يَنْفُذْ وَبِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ نَفَذَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا هُوَ) أَيْ الْعَزْلُ (كَالْأَوَّلِ) أَيْ التَّوْكِيلِ فِي أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْإِخْبَارِ بِالْعَزْلِ خَبَرُ فَرْدٍ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا كَالْإِخْبَارِ بِالتَّوْكِيلِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ شُرِطَ فِي الْعَزْلِ وَالنَّصْبِ عَدْلَانِ.
(وَكَذَا الْخِلَافُ) بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ (فِي إخْبَارِ السَّيِّدِ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ) يَعْنِي لَوْ أَخْبَرَ بِهِ فَاسِقٌ لِلسَّيِّدِ بِأَنَّ عَبْدَهُ جَنَى خَطَأً فَبَاعَ أَوْ أَعْتَقَ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا (وَالشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ) يَعْنِي: الشَّفِيعُ إذَا سَكَتَ بَعْدَمَا أَخْبَرَ فَاسِقٌ بِالْبَيْعِ لَا يَكُونُ تَارِكًا لِلشُّفْعَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ (وَالْبِكْرِ) الْبَالِغِ (بِالتَّزْوِيجِ) يَعْنِي إذَا أَخْبَرَ فَاسِقٌ الْبِكْرَ الْبَالِغَ بِالنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ لَا تَصِيرُ رَاضِيَةً بِالنِّكَاحِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (وَمُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ بِالشَّرَائِعِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِخْبَارٍ مُقَدَّرٍ أَيْ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَخْبَرَ بِالشَّرَائِعِ فَاسِقٌ لَا يُؤَاخَذُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ جِنْسِ الْمُعَامَلَاتِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَحَدِ وَصْفَيْ الشَّهَادَةِ، وَلَهُ أَنَّ فِيهَا إلْزَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ.
أَمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ، وَإِنْ وُجِدَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ هَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ غَيْرَ الْخَصْمِ وَرَسُولِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ لَوْ أَخْبَرَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ وَجَبَ الطَّلَبُ إجْمَاعًا، وَالرَّسُولُ يُعْمَلُ بِخَبَرِهِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا اتِّفَاقًا صَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ لَكِنْ فِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ، فَلْيُطَالَعْ.
(وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا) لِرَجُلٍ (لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ لِأَجْلِ دُيُونِهِمْ (وَأَخَذَ الْمَالَ) أَيْ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ الثَّمَنَ (فَضَاعَ) عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ (وَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ) وَنُزِعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي (لَا يَضْمَنُ) الْقَاضِي وَلَا أَمِينُهُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَوْ أَمِينَهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيفَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَيْ لَا يَتَقَاعَدَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ فَيَلْزَمُ تَعْطِيلُ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
وَفِي الْبَحْرِ: أَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي هُوَ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي جَعَلْتُك أَمِينًا فِي بَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ.
أَمَّا إذَا قَالَ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُ عُهْدَةٌ (وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ لَهُمْ فَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهَا عَلَى الْعَاقِدِ كَمَا يُجْعَلُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهَا عَلَى الْوَكِيلِ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ.
(وَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (الْوَصِيُّ لِأَجْلِهِمْ) أَيْ لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ (بِأَمْرِ الْقَاضِي) لَهُ بِالْبَيْعِ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ (ثُمَّ اُسْتُحِقَّ) الْعَبْدُ (أَوْ مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ قَبْضِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَصِيِّ (وَضَاعَ الْمَالُ) أَيْ ثَمَنُ الْعَبْدِ (رَجَعَ الْمُشْتَرِي) بِالثَّمَنِ (عَلَى الْوَصِيِّ) لِأَنَّهُ عَاقِدٌ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ الَّذِي نَصَّبَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نَصَّبَهُ لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَيِّتِ (وَهُوَ) أَيْ الْوَصِيُّ يَرْجِعُ (عَلَى الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِغَيْرِهِ وَلَحِقَهُ بِسَبَبِهِ ضَمَانٌ يَرْجِعُ بِهِ مَنْ يَقَعُ لَهُ الْعَمَلُ.
وَفِي الْبَحْرِ وَالتَّقْيِيدُ بِأَمْرِ الْقَاضِي اتِّفَاقِيٌّ وَلِيُعْلَمَ حُكْمُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِالْأَوْلَى وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْحَصِيرِيُّ وَأَمْرُ الْقَاضِي وَعَدَمُ أَمْرِهِ سَوَاءٌ.
وَفِي التَّنْوِيرِ أَخْرَجَ الْقَاضِي الثُّلُثَ لِلْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُعْطِهِمْ إيَّاهُ حَتَّى هَلَكَ كَانَ الْهَلَاكُ مِنْ مَالِ الْفُقَرَاءِ وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ.
(وَلَوْ قَالَ لَك قَاضٍ عَدْلٌ عَالِمٌ: قَضَيْتُ عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ أَوْ الْقَطْعِ أَوْ الضَّرْبِ فَافْعَلْهُ وَسِعَك فِعْلُهُ) وَلَا يُلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
لِأَنَّ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبَةٌ، وَتَصْدِيقُهُ طَاعَةٌ لَهُ، وَقَوْلُ مِثْلِ هَذَا الْقَاضِي حُجَّةٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ آخِرًا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ حَتَّى يُعَايِنَ الْحُجَّةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ، وَالتَّدَارُكُ لَا يُمْكِنُ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِهِ.
وَفِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَبِهِ يُفْتَى لِفَسَادِ أَكْثَرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا، وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ، فَلْيُرَاجَعْ.
(وَكَذَا) وَسِعَك فِعْلُهُ (فِي) الْقَاضِي (الْعَدْلِ غَيْرِ الْعَالِمِ إنْ اُسْتُفْسِرَ فَأَحْسَنَ تَفْسِيرَهُ) أَيْ لَوْ قَالَ قَاضٍ جَاهِلٌ عَادِلٌ يَلْزَمُ أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْ سَبَبِهِ فَإِنْ أَحْسَنَ تَفْسِيرَ قَضَائِهِ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْعِ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا: اسْتَقْصَيْتُ الْمُقَرَّ بِهِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَحَكَمْتُ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ يَسَعُ لَك فِعْلُ مَا أَمَرَ بِهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ تَفْسِيرَهُ (فَلَا) يَسَعُ لَك فِعْلُ مَا أَمَرَ بِهِ لِخَطَئِهِ بِسَبَبِ الْجَهْلِ (وَلَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ غَيْرِ الْعَدْلِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا لِتُهْمَةِ الْخِيَانَةِ بِفِسْقِهِ (مَا لَمْ يُعَايِنْ سَبَبَ الْحُكْمِ) أَيْ يُعَايِنْ سَبَبًا شَرْعِيًّا لِلْحُكْمِ فَحِينَئِذٍ يَعْمَلُ بِقَوْلِهِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.
(وَلَوْ قَالَ قَاضٍ عُزِلَ لِشَخْصٍ: أَخَذْتُ مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْتُهَا إلَى فُلَانٍ قَضَيْتُ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْأَلْفِ (عَلَيْك أَوْ قَالَ: قَضَيْتُ بِقَطْعِ يَدِك فِي حَقٍّ فَقَالَ) ذَلِكَ الشَّخْصُ (بَلْ أَخَذْتَهَا) أَيْ تِلْكَ الْأَلْفَ (أَوْ قَطَعْتَ) يَدِي (ظُلْمًا) مُتَعَلِّقٌ بِأَخَذْتَ وَقَطَعْتَ عَلَى التَّنَازُعِ (وَاعْتَرَفَ) ذَلِكَ الشَّخْصُ (بِكَوْنِ ذَلِكَ) أَيْ الْأَخْذِ أَوْ الْقَطْعِ (حَالَ وِلَايَتِهِ) أَيْ وِلَايَةِ الْقَاضِي (صُدِّقَ الْقَاضِي وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ بِكَوْنِ الْأَخْذِ فِي حَالِ قَضَائِهِ، فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ، هُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَظْلِمُ فِي قَضَائِهِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا فِيمَا فُوِّضَ إلَيْهِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ الْيَمِينُ يَصِيرُ خَصْمًا، وَقَضَاءُ الْخَصْمِ لَا يَنْفُذُ فَتُعَطَّلُ أُمُورُ النَّاسِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَقُبِلَ وُجُوبًا قَوْلُ قَاضٍ عُزِلَ قَضَيْتُ أَنَا بِهَذَا الْعَقَارِ لِزَيْدٍ مَثَلًا لِفَقْدِ التُّهْمَةِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُقْبَلْ، وَبِهِ أَخَذَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ قَضَيْت أَنَا بِهَذَا الْعَقَارِ لِزَيْدٍ أَنَّ الْمَقْضِيَّ أَوْ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَعْلُومَانِ، وَإِلَّا لَا يُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي زَمَانِنَا غَيْرُ مُعْتَمَدٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَعَلَى هَذَا لَمْ يُقْبَلْ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي شَيْءٍ مَا كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ.
(وَلَوْ قَالَ) ذَلِكَ الشَّخْصُ لِلْقَاضِي (فَعَلْتُهُ قَبْلَ وِلَايَتِك أَوْ بَعْدَ عَزْلِك، وَادَّعَى الْقَاضِي فِعْلَهُ فِي) زَمَانِ (وِلَايَتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْقَاضِي (أَيْضًا هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّهُ مَتَى اعْتَرَفَ أَنَّهُ كَانَ قَاضِيًا صَحَّتْ إضَافَةُ الْأَخْذِ إلَى حَالَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ حَالَةَ الْقَضَاءِ مَعْهُودَةٌ، وَهِيَ مُنَافِيَةٌ لِلضَّمَانِ فَصَارَ الْقَاضِي بِالْإِضَافَةِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مُنْكِرًا لِلضَّمَانِ، فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُ أَوْ أَعْتَقْتُ وَأَنَا مَجْنُونٌ، وَجُنُونُهُ كَانَ مَعْهُودًا.
وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ إذَا زَعَمَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْقَاضِيَ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَزْلِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعِي لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ، وَمَنْ ادَّعَى تَارِيخًا سَابِقًا لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ: مَتَى وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ فِي الْإِسْنَادِ يُحَكَّمُ الْحَالُ (وَالْقَاطِعُ أَوْ الْآخِذُ إنْ كَانَتْ دَعْوَاهُ كَدَعْوَى الْقَاضِي ضَمِنَ) الْقَاطِعُ أَوْ الْآخِذُ (هُنَا) أَيْ فِيمَا قَالَ الْمُدَّعِي فَعَلْتَهُ قَبْلَ وِلَايَتِك أَوْ بَعْدَ عَزْلِك (لَا) يَضْمَنُ (فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِيمَا اعْتَرَفَ لِلْمُدَّعِي بِكَوْنِ ذَلِكَ حَالَ وِلَايَتِهِ، أَيْ إذَا أَقَرَّ الْقَاطِعُ أَوْ الْآخِذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَدَفْعَهُ صَحِيحٌ فَصَارَ إقْرَارُهُ بِهِ كَفِعْلِهِ مُعَايِنًا، وَلَوْ أَقَرَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ ضَمَانٍ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ: صَبَّ شَخْصٌ دُهْنًا لِإِنْسَانٍ عِنْد الشُّهُودِ، وَقَالَ الصَّابُّ: كَانَتْ الدُّهْنُ نَجِسَةً، وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ فَالْقَوْلُ لِلصَّابِّ، وَلَوْ قَتَلَ شَخْصٌ رَجُلًا وَقَالَ قَتَلْتُهُ لِرِدَّتِهِ أَوْ لِقَتْلِهِ أَبِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ.

.كِتَابُ الشَّهَادَاتِ:

أَخَّرَهَا عَنْ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا كَالْوَسِيلَةِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَشُرُوطُهَا كَثِيرَةٌ تَأْتِي فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: إنَّ شَرَائِطَهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ.
وَشَرَائِطُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثَةٌ.
وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْهَا عَشْرُ شَرَائِطَ عَامَّةٌ وَمِنْهَا سَبْعَةُ شَرَائِطَ خَاصَّةٌ.
وَشَرَائِطُ نَفْسِ الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ، وَشَرْطُ مَكَانِهَا وَاحِدٌ، وَسَبَبُ وُجُوبِهَا طَلَبُ ذِي الْحَقِّ أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّهِ؛ فَإِنَّ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لَا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُ الْحَقِّ، وَخَافَ فَوْتَ الْحَقِّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِلَا طَلَبٍ، انْتَهَى.
هَذَا لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ بِدُونِ الطَّلَبِ مُطْلَقًا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَ الْحَقِّ بِأَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ فَإِنْ دَعَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ ادَّعَى عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يَجِدْ شَاهِدًا يُتِمُّ بِهِ مُدَّعَاهُ، وَذَلِكَ الشَّاهِدُ حَاضِرٌ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ فَهَذَا فِيهِ طَلَبٌ حُكْمِيٌّ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مَا ادَّعَى عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَّا وَهُوَ يَطْلُبُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ بِحَقِّهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ.
وَمَحَاسِنُهَا كَثِيرَةٌ مِنْهَا امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ}.
وَرُكْنُهَا اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ بِهَا.
وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَالْقِيَاسُ يَأْبَى كَوْنَ الشَّهَادَةِ حُجَّةً مُلْزِمَةً لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَالْمُحْتَمِلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ تُرِكَ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ، وَالشَّهَادَةُ فِي اللُّغَةِ خَبَرٌ قَاطِعٌ، وَقَدْ شَهِدَ كَعَلِمَ وَكَرُمَ، وَقَدْ يُسَكَّنُ هَاؤُهُ، وَشَهِدَهُ كَسَمِعَهُ شُهُودًا حَضَرَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ وَقَوْمٌ شُهُودٌ أَيْ حُضُورٌ، وَشَهِدَ لَهُ بِكَذَا شَهَادَةً أَيْ أَدَّى مَا عِنْدَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ، وَالْجَمْعُ شُهَّدٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، فَلْيُطَالَعْ.
وَفِي التَّبْيِينِ: هِيَ إخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ لَا عَنْ تَخْمِينٍ وَحُسْبَانٍ هَذَا فِي اللُّغَةِ؛ فَلِهَذَا قَالُوا: إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الشَّهَادَةِ الَّتِي تُنْبِئُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ، وَسُمِّيَ الْأَدَاءُ شَهَادَةً إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، انْتَهَى.
وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيُّ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ (هِيَ) أَيْ الشَّهَادَةُ (إخْبَارٌ) شَرْعِيٌّ (بِحَقٍّ) أَيْ بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ (لِلْغَيْرِ) أَيْ حَصَلَ لِغَيْرِ الْمُخْبِرِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْإِنْكَارُ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ بِهِ لِنَفْسِهِ فِي يَدِهِ، وَكَذَا دَعْوَى الْأَصِيلِ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ لِنَفْسِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَكَذَا دَعْوَى الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِخْبَارٍ لِلْغَيْرِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ كَمَا ظُنَّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (عَلَى الْغَيْرِ) فَخَرَجَ الْإِقْرَارُ إذْ هُوَ إخْبَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَتَدْخُلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالزِّنَاءِ وَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِمَا (عَنْ مُشَاهَدَةٍ لَا عَنْ ظَنٍّ) وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ الْمُصْطَفَوِيَّةُ حَيْثُ قَالَ: «إذَا رَأَيْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ، وَإِلَّا فَدَعْ».
وَفِي الْعِنَايَةِ، وَفِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْفِقْهِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ صَادِقٍ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ، فَالْإِخْبَارُ كَالْجِنْسِ يَشْمَلُهَا وَالْأَخْبَارَ الْكَاذِبَةَ، وَقَوْلُهُ: صَادِقٍ. يُخْرِجُ الْكَاذِبَةَ وَقَوْلُهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ يُخْرِجُ الْأَخْبَارَ الصَّادِقَةَ غَيْرَ الشَّهَادَاتِ، انْتَهَى.
وَيَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَائِلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي: أَشْهَدُ بِرُؤْيَةِ كَذَا لِبَعْضِ الْعُرْفِيَّاتِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُزَادَ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَمَنْ تَعَيَّنَ لِتَحَمُّلِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ بِأَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ (لَا يَسَعُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّحَمُّلِ إذَا طُلِبَ لِأَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ التَّحَمُّلِ مِنْ تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلتَّحَمُّلِ بِأَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ (وَيُفْتَرَضُ أَدَاؤُهَا) أَيْ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ (بَعْدَ التَّحَمُّلِ إذَا طُلِبَتْ) الشَّهَادَةُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّاهِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} وقَوْله تَعَالَى {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ نَهْيًا عَنْ الْإِبَاءِ وَالْكِتْمَانِ لَكِنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ يَكُونُ أَمْرًا بِضِدِّهِ إذَا كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالِاشْتِغَالِ بِهِ فَكَانَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضًا قَطْعًا كَفَرِيضَةِ الِانْتِهَاءِ عَنْ الْكِتْمَانِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِهِ بَلْ آكَدُ وَلِهَذَا أَسْنَدَ الْإِثْمَ إلَى الْآلَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْفِعْلُ وَهُوَ الْقَلْبُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى مَحَلِّهِ أَقْوَى مِنْ الْإِسْنَادِ إلَى كُلِّهِ فَقَوْلُهُ أَبْصَرْتُهُ بِعَيْنِي آكَدُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَبْصَرْتُهُ، وَإِسْنَادُهُ إلَى أَشْرَفِ الْجَوَارِحِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَعْظَمُ الْجَرَائِمِ بَعْدَ الْكُفْرِ، ثُمَّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يَجِبُ إذْ كَانَ مَوْضِعُ الشَّاهِدِ قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجِيءَ إلَى الْقَاضِي وَيَرْجِعَ بَعْدَهُ فِي يَوْمِهِ هَذَا إلَى مَنْزِلِهِ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا، وَلَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ يَجُوزُ لَهُ الرُّكُوبُ عَلَى مَرْكَبِ الْمُدَّعِي، وَإِلَّا فَلَا.
وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الشَّاهِدِ عَدْلَانِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَبَضَ دَيْنَهُ أَوْ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ أَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالدَّيْنِ وَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْقَتْلِ (إلَّا أَنْ يَقُومَ الْحَقُّ بِغَيْرِهِ) بِأَنْ يَكُونَ فِي الصَّكِّ سِوَاهُ مِمَّنْ يَقُومُ بِهِ الْحَقُّ فَحِينَئِذٍ لَا يُفْتَرَضُ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَضِيعُ بِامْتِنَاعِهِ وَلِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ.
، وَفِي الدُّرَرِ، ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَأَدَّى غَيْرُهُ - مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَقُبِلَتْ لَا يَأْثَمُ، وَإِنْ أَدَّى غَيْرُهُ، وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ يَأْثَمُ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ إذَا كَانَ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ الْحَقِّ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَوْ أَخَّرَ الشَّاهِدُ الشَّهَادَةَ بَعْدَ الطَّلَبِ بِلَا عُذْرٍ ظَاهِرٍ، ثُمَّ أَدَّى لَا تُقْبَلُ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ.
(وَسَتْرُهَا) أَيْ سَتْرُ الشَّهَادَةِ (فِي الْحُدُودِ أَفْضَلُ) مِنْ أَدَائِهَا يَعْنِي أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُظْهِرَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْفَسَادِ أَوْ قِلَّتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتُرَهَا، وَهُوَ أَحْسَنُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ «لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك».
وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَقَّنَ الْمُقِرَّ بِالزِّنَاءِ لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ فَشُهِرَ وَكَفَى بِهِ قُدْوَةً، وَكَذَلِكَ نُقِلَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} فَذَلِكَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ، فَلْيُطَالَعْ.
(وَيَقُولُ) الشَّاهِدُ (فِي) شَهَادَةِ (السَّرِقَةِ) أَشْهَدُ أَنَّهُ (أَخَذَ) مَالَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَرْكُ الْوَاجِبِ (لَا سَرَقَ) لِلتَّحَرُّزِ عَنْ وُجُوبِ الْحَدِّ وَضَيَاعِ الْمَالِ، لِأَنَّ الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ فَاعْتُبِرَ فِي السَّرِقَةِ السَّتْرُ مَعَ الشَّهَادَةِ.
وَحُكِيَ أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ كَانَ مَعَ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ وَفِيهِمْ أَبُو يُوسُفَ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ أَخْذَ مَالِهِ مِنْ بَيْتِهِ فَأَقَرَّ بِالْأَخْذِ فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ فَأَفْتَوْا بِقَطْعِ يَدِهِ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِالْأَخْذِ، فَادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ سَرَقَ، فَأَقَرَّ بِهَا فَأَفْتَوْا بِالْقَطْعِ، وَخَالَفَهُمْ أَبُو يُوسُفَ، فَقَالُوا لَهُ: لِمَ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ أَوَّلًا بِالْأَخْذِ ثَبَتَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَسَقَطَ الْقَطْعُ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بَعْدَهُ بِمَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ.
(وَشُرِطَ لِلزِّنَاءِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ) مِنْ الشُّهُودِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {، ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} وَلَفْظُ أَرْبَعَةٍ نَصٌّ فِي الْعَدَدِ وَالذُّكُورَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَأُورِدَ: إنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ بِالْمَفْهُومِ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ عَدَمُ جَوَازِ الْأَقَلِّ أَجَابَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَوْرَدَ الْمُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} الْآيَةَ وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهَا مُبِيحَةٌ وَتِلْكَ مَانِعَةٌ، وَالتَّقْدِيمُ لِلْمَانِعِ، وَجْهُ هَذَا الِاشْتِرَاطِ أَنَّهُ - تَعَالَى - يُحِبُّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَوْعَدَ بِالْعَذَابِ لِمَنْ أَحَبَّ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ وَوَصْفِ الذُّكُورَةِ تَحْقِيقُ مَعْنَى السَّتْرِ.
(وَ) شُرِطَ (لِلْقِصَاصِ وَبَقِيَّةِ الْحُدُودِ) وَكَذَا لِإِسْلَامِ كَافِرٍ ذَكَرٍ، وَرِدَّةِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ (رَجُلَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَلِشُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ شَهَادَتِهِمْ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ.
(وَ) شُرِطَتْ (لِلْوِلَادَةِ، وَالْبَكَارَةِ، وَعُيُوبِ النِّسَاءِ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةٌ) حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ، وَهُوَ الْوَاحِدُ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ مَقَامُ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَعَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ امْرَأَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ اعْتِبَارُ الذُّكُورَةِ بَقِيَ الْعَدَدُ مُعْتَبَرًا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ شَهِدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ: تَعَمَّدْتُ النَّظَرَ أَمَّا إذَا شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ، وَقَالَ: فَاجَأْتُهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي عَلَيْهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا إذَا تَأَيَّدَتْ الشَّهَادَةُ بِالْأَصْلِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: هِيَ بِكْرٌ يُؤَجِّلُ الْقَاضِي فِي الْعِنِّينِ سَنَةً لِأَنَّ شَهَادَتَهَا تَأَيَّدَتْ بِالْأَصْلِ هُوَ الْبَكَارَةُ، وَلَوْ قَالَتْ: هِيَ ثَيِّبٌ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا تَجَرَّدَتْ عَنْ الْمُؤَيِّدِ، وَكَذَا فِي رَدِّ الْمَبِيعِ إذْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ فَإِنْ قُلْنَ: إنَّهَا ثَيِّبٌ يُحَلَّفُ الْبَائِعُ لِيَنْضَمَّ نُكُولُهُ إلَى قَوْلِهِنَّ، وَالْعَيْبُ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ فَيُحَلَّفُ الْبَائِعُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قُلْتَ لَوْ ثَبَتَ الْعَيْبُ بِقَوْلِهِنَّ لَا يُحَلَّفُ الْبَائِعُ بَلْ تُرَدُّ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ، فَكَيْفَ يَكُونُ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ نَتِيجَةً لِثُبُوتِ الْعَيْبِ وَثُبُوتُ الْعَيْبِ إنَّمَا هُوَ مُثْبِتٌ لِلرَّدِّ لَا لِلتَّحْلِيفِ ؟ قُلْتُ مَعْنَاهُ الْعَيْبُ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ فِي حَقِّ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَحَقِّ التَّحْلِيفِ حَتَّى إنَّهُنَّ لَوْ لَمْ يَقُلْنَ: إنَّهَا ثَيِّبٌ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ.
(وَكَذَا) شَرْطُ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ (لِاسْتِهْلَالِ الْمَوْلُودِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ) عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ (لَا) فِي حَقِّ (الْإِرْثِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ (وَعِنْدَهُمَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا لَهُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ صَوَّتَ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَلَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ عَادَةً، فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ أَرْجَحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(وَ) شُرِطَ (لِغَيْرِ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ (رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ؛ وَامْرَأَتَانِ مَالًا كَانَ) الْحَقُّ (أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالرَّضَاعِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ) وَالرَّجْعَةِ وَاسْتِهْلَاكِ صَبِيٍّ لِلْإِرْثِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّسَبِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا، كَالْأَجَلِ، وَشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَاخْتِلَالِ الضَّبْطِ، وَلَكِنْ قُبِلَتْ فِي الْأَمْوَالِ ضَرُورَةً بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ وُجُودِهَا وَقِلَّةِ خَطَرِهَا فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَجَازَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي النِّكَاحِ وَالْفُرْقَةِ.
وَالْأَصْلُ قَبُولُ شَهَادَتِهِنَّ لِوُجُودِ مَا تَبْتَنِي أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الْمُشَاهَدَةُ وَالضَّبْطُ وَالْأَدَاءُ، وَمَا يَتَعَرَّضُ لَهُنَّ مِنْ قِلَّةِ الضَّبْطِ بِزِيَادَةِ النِّسْيَانِ انْجَبَرَ بِضَمِّ الْأُخْرَى إلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الشُّبْهَةُ وَلِهَذَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذِهِ الْحُقُوقُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ، وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَرْبَعٍ مِنْ غَيْرِ رَجُلٍ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا.
وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ قَوْلِهِ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَقُصُورِ الْوِلَايَةِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ فِي عَقْلِهِنَّ فِيمَا هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ لِلنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ.
الْأُولَى اسْتِعْدَادُ الْعَقْلِ، وَيُسَمَّى الْعَقْلَ الْهَيُولَانِيَّ وَهُوَ حَاصِلٌ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ فِي مَبْدَأِ فِطْرَتِهِمْ.
وَالثَّانِيَةُ أَنَّ تَحْصِيلَ الْبَدِيهِيَّاتِ بِاسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ فَيَتَهَيَّأُ لِاكْتِسَابِ الْفِكْرِيَّاتِ بِالْمُفَكِّرَةِ وَيُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْمَلَكَةِ وَهُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ.
وَالثَّالِثَةُ أَنَّ تَحَصُّلَ النَّظَرِيَّاتِ الْمَفْرُوغِ عَنْهَا مَتَى شَاءَ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى اكْتِسَابٍ وَيُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْفِعْلِ، وَالرَّابِعَةُ هُوَ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا وَيَلْتَفِتَ إلَيْهَا مُشَاهَدَةً وَيُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْمُسْتَفَادِ وَلَيْسَ هُوَ مَنَاطَ التَّكْلِيفِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْعَقْلُ بِالْمَلَكَةِ وَهُوَ فِيهِنَّ نُقْصَانٌ بِمُشَاهَدَةِ حَالِهِنَّ فِي تَحْصِيلِ الْبَدِيهِيَّاتِ بِاسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَبِالتَّنْبِيهِ، إنْ شِئْتَ قُلْتَ فَإِنَّهُ لَوْ كُنَّ فِي ذَلِكَ نُقْصَانٌ لَكَانَ تَكْلِيفُهُنَّ دُونَ تَكْلِيفِ الرِّجَالِ فِي الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُنَّ نَاقِصَاتُ الْعَقْلِ، الْمُرَادُ بِهِ الْعَقْلُ بِالْفِعْلِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصْلُحْنَ لِلْوِلَايَةِ وَالْخِلَافَةِ وَالْإِمَارَةِ وَبِهَذَا ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَيْضًا بِهِ فَتَأَمَّلْ، انْتَهَى.
(وَشُرِطَ لِلْكُلِّ الْحُرِّيَّةُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ (وَالْإِسْلَامُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الذِّمِّيَّ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ مَحْمُولٌ فِيمَا إذَا شَهِدَ الْكَافِرُ عَلَى مِثْلِهِ (وَالْعَدَالَةُ) وَهِيَ كَوْنُ حَسَنَاتِ الرَّجُلِ أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ وَهِيَ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَعْتَقِدُهُ حَرَامًا فِي دِينِهِ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الِاجْتِنَابَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَتَرْكَ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفَاسِقَ إنْ كَانَ وَجِيهًا ذَا مُرُوءَةٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ يَصِحُّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَنَا أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ لَا شَرْطُ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ يَمْنَعُ الْخَلِيفَةُ مِنْ الْقَضَاءِ الْفَاسِقَ فَحِينَئِذٍ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ.
(وَ) شُرِطَ (لَفْظُ الشَّهَادَةِ) أَيْ لَفْظُ أَشْهَدُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ لِوُرُودِ عِبَارَةِ النَّصِّ كَذَلِكَ وَلِكَوْنِهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْكَذِبِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَشَدَّ (فَلَا تَصِحُّ) الشَّهَادَةُ (لَوْ قَالَ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ) مَكَانَ أَشْهَدُ مُخَالِفًا لِمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ كَطَهَارَةِ الْمَاءِ وَالْمَوْتِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ الْوَاقِعُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الشَّهَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارِ (وَلَا يَسْأَلُ قَاضٍ عَنْ شَاهِدٍ) كَيْفَ هُوَ (بِلَا طَعْنِ الْخَصْمِ) عِنْدَ الْإِمَامِ عَمَلًا بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» فَإِنْ طَعَنَ الْخَصْمُ يَسْأَلُ الْقَاضِي فِي السِّرِّ وَيُزَكِّي فِي الْعَلَانِيَةِ (إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ) فَإِنَّهُ يَسْأَلُ الْقَاضِي فِي السِّرِّ وَيُزَكِّي فِي الْعَلَانِيَةِ فِيهِمَا طَعَنَ الْخَصْمُ أَوْ لَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يُحْتَالُ لِإِسْقَاطِهِمَا فَيُشْتَرَطُ الِاسْتِقْصَاءُ فِيهِمَا (وَعِنْدَهُمَا يَسْأَلُ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ سِرًّا وَعَلَنًا) وَإِنْ لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ لِأَنَّ بِنَاءَ الْقَضَاءِ عَلَى الْحُجَّةِ، وَهِيَ شَهَادَةُ الْعَدَمِ، قِيلَ: هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، لِأَنَّ عَصْرَهُ مَشْهُورٌ بِالْخَيْرِ لِكَوْنِهِ قَرْنًا ثَالِثًا وَعَصْرَهُمَا مَسْكُوتٌ عَنْهُ لِكَوْنِهِ قَرْنًا رَابِعًا إذْ فَشَا فِيهِ الْكَذِبُ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ (يُفْتَى فِي زَمَانِنَا) لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَكْثَرُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَيَحِلُّ السُّؤَالُ عَلَى قَوْلِهِمَا عِنْدَ جَهْلِ الْقَاضِي بِحَالِهِمْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْمُلْتَقَطِ: الْقَاضِي إذَا عَرَفَ الشُّهُودَ بِجَرْحٍ أَوْ عَدَالَةٍ لَا يَسْأَلُ عَنْهُمْ (وَيَجْزِي الِاكْتِفَاءُ بِالسِّرِّ) فِي زَمَانِنَا تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ، وَالتَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي أَمِينًا إلَى الْمُعَدِّلِ الْعَدْلِ وَيَكْتُبَ إلَيْهِ كِتَابًا فِيهِ اسْمُ الشَّاهِدِ وَنَسَبُهُ وَمَحَلَّتُهُ وَمَسْجِدُهُ فَيَسْأَلُ عَنْ جِيرَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ فَإِذَا عَرَفَهُمْ بِالْعَدَالَةِ يَكْتُبُ: هُوَ عَدْلٌ، فَإِذَا عَرَفَهُمْ بِالْفِسْقِ يَكْتُبُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ، أَوْ لَا يَكْتُبُ شَيْئًا احْتِرَازًا عَنْ كَشْفِ السِّرِّ، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُمْ بِالْعَدَالَةِ أَوْ بِالْفِسْقِ يَكْتُبُ هُوَ مَسْتُورٌ وَيَرُدُّهُ إلَى الْقَاضِي سِرًّا كَيْ لَا يَظْهَرَ فَيَنْخَدِعَ، وَالتَّزْكِيَةُ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فِي مَجْلِسِهِ لِتَنْتَفِيَ شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ (وَيَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ) أَنْ يُقَالَ (هُوَ عَدْلٌ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِنَا كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ الْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ وَلِهَذَا لَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ حُرِّيَّةِ الشَّاهِدِ وَإِسْلَامِهِ مَا لَمْ يُنَازِعْهُ الْخَصْمُ (وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ أَوْ الْمَحْدُودَ فِي قَذْفٍ إذَا تَابَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا مَعَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
(وَلَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ الْخَصْمِ بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ لَكِنْ أَخْطَأَ) فِي شَهَادَتِهِ (أَوْ نَسِيَ) كَيْفِيَّةَ الْوَقْعَةِ هَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ يَعْنِي تَعْدِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ لَا يَصِحُّ، وَمُرَادُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ، وَنَظِيرُهُ الْمُزَارَعَةُ فَإِنَّهُ لَا يَرَاهَا، وَمَعَ هَذَا فَرَّعَ عَلَيْهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى، وَعَنْهُمَا أَنَّهُ تَجُوزُ تَزْكِيَتُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْدِيلُ الْوَاحِدِ عِنْدَهُ.
وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ كَاذِبٌ فِي الْجُحُودِ، وَتَزْكِيَةُ الْكَاذِبِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ وَأَطْلَقَ الْخَصْمَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ صَاحِبُ الْمِنَحِ بِمَا إذَا كَانَ لَمْ يُرْجَعْ إلَيْهِ فِي التَّعْدِيلِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُرْجَعْ إلَيْهِ فِي التَّعْدِيلِ صَحَّ قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ كَمَا قَيَّدَ صَاحِبُ الْمِنَحِ لَكَانَ أَوْلَى (فَإِنْ قَالَ) الْخَصْمُ (هُوَ عَدْلٌ صَدْقٌ) أَيْ عَادِلٌ صَادِقٌ (ثَبَتَ الْحَقُّ) أَيْ حَقُّ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِثُبُوتِ الْحَقِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ عُدُولًا يَجُوزُ مِنْهُمْ النِّسْيَانُ وَالْخَطَأُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَدْلًا أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ صَوَابًا كَمَا فِي الدُّرَرِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ يَكُونُ مُقِرًّا بِقَوْلِهِ صَدَقُوا فِيمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيَّ بِقَوْلِهِ هُمْ عُدُولٌ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيَّ.
(وَيَكْفِي الْوَاحِدُ لِتَزْكِيَتِهِ السِّرَّ، وَالتَّرْجَمَةِ، وَالرِّسَالَةِ إلَى الْمُزَكِّي) يَعْنِي يَصْلُحُ الْوَاحِدُ أَنْ يَكُونَ مُزَكِّيًا لِلشَّاهِدِ، وَمُتَرْجِمًا عَنْ الشَّاهِدِ، وَرَسُولًا مِنْ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إلَّا الْعَدَالَةُ حَتَّى تَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ التَّائِبِ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ (وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ) لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ طُمَأْنِينَةٍ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ الِاثْنَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي تُبْتَنَى عَلَى ظُهُورِ الْعَدَالَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَمَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ بِتَزْكِيَةِ الْوَاحِدِ فَإِنْ رَضِيَ فَجَازَ إجْمَاعًا هَذَا فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ أَمَّا فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ يُشْتَرَطُ جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهِمَا سِوَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ وَلِذَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي.
وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَتُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ دُونَ السِّرِّ) وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِيهَا عَلَى مَا قَالَهُ الْخَصَّافُ وَيُشْتَرَطُ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَاءِ أَرْبَعَةُ ذُكُورٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.

.فَصَلِّ: فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ وَهُوَ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ مَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ بِلَا إشْهَادٍ وَالثَّانِي مَا لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْإِشْهَادِ فَشَرَعَ فِي الْأَوَّلِ وَقَالَ (يَشْهَدُ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ) مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ (أَوْ رَآهُ) مِنْ الْمُبْصِرَاتِ (كَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ) مِثَالُ مَا كَانَ مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ كَمَا فِي الْفَرَائِدِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ) مِثَالُ مَا كَانَ مِنْ الْمُبْصِرَاتِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُشْهَدْ) مِنْ الْأَفْعَالِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتُ الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ (وَيَقُولُ اشْهَدْ) أَنَّهُ بَاعَ، أَوْ أَقَرَّ؛ لِأَنَّهُ عَايَنَ السَّبَبَ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِهِ كَمَا عَايَنَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ بِالتَّعَاطِي فَكَذَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَقَدْ وُجِدَ وَقِيلَ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حُكْمِيٌّ وَلَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقِيٍّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ شَهِدُوا بِالْبَيْعِ جَازَ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الثَّمَنِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ (لَا) يَقُولُ (اشْهَدْنِي) فِيمَا لَا إشْهَادَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ فَيَكُونُ كَذِبًا.
وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ سَمِعَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ إذَا النَّغْمَةُ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ إلَّا إذَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ وَحْدَهُ وَعَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُهُ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمَسْلَكِ وَلَيْسَ لَهُ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَا يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا فَسَّرَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ؛ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ وَقَالُوا إذَا سَمِعَ صَوْتَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ يَرَى شَخْصًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَشَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ لَا يَجُوزُ لِمَنْ سَمِعَ إقْرَارَهَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا رَأَى شَخْصَهَا حَالَ مَا أَقَرَّتْ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِرُؤْيَةِ شَخْصِهَا لَا رُؤْيَةِ وَجْهِهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ الْمَرْأَةُ إذَا حَسَرَتْ عَنْ وَجْهِهَا فَقَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَقَدْ وَهَبْتُ لِزَوْجِي مَهْرِي فَإِنَّ الشُّهُودَ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ إنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مَا دَامَتْ حَيَّةً إذْ يُمْكِنُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا فَإِنْ مَاتَتْ فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ الشُّهُودُ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ كَمَا فِي الدُّرَرِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي فَقَالَ (وَلَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ إذَا سَمِعَ أَدَاءَهَا) أَيْ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدٍ مَعَ مَنْ سَمِعَ الشَّهَادَةَ سَوَاءٌ سَمِعَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ غَيْرُ ثَابِتٍ الْحُكْمُ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالْقَاضِي فَيَسْتَلْزِمُ التَّحْمِيلَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَمَّلْهُ حَيْثُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ (أَوْ إشْهَادِ الْغَيْرِ عَلَيْهَا) أَيْ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدٍ مَنْ سَمِعَ إشْهَادَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ (مَا لَمْ يَشْهَدْ هُوَ) أَيْ شَاهِدُ الْأَصْلِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الشَّهَادَةِ تَوْضِيحُهُ قَالَ شَاهِدٌ لِشَخْصٍ اشْهَدْ مِنِّي أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا فَسَمِعَ آخَرُ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَجُوزُ لِلسَّامِعِ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْإِشْهَادِ غَيْرُ ثَابِتِ الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَذَا يَسْتَلْزِمُ التَّحْمِيلَ وَالْإِنَابَةَ وَهُوَ لَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّهُ مَا حَمَلَهُ بِالْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا حَمَلَ غَيْرَهُ قَبْلَ أَنْ سَمِعَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّاهِدَ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ حَلَّ لِلسَّامِعِ أَنْ يَشْهَدَ.
(وَلَا يَعْمَلُ شَاهِدٌ وَلَا قَاضٍ وَلَا رَاوٍ بِخَطِّهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ) أَيْ لَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ وَلَا لِلْقَاضِي إذَا وَجَدَ دِيوَانَهُ مَكْتُوبًا بِشَهَادَةِ شُهُودٍ وَلَا يُحْفَظُ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِذَلِكَ، أَوْ قَضِيَّةً قَضَاهَا أَنْ يَحْكُمَ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ وَلَا أَنْ يُمْضِيَ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ وَلَا لِلرَّاوِي إذَا وَجَدَ مَكْتُوبًا بِخَطِّهِ، أَوْ بِخَطِّ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى فُلَانٍ وَنَحْوُهُ أَنْ يَرْوِيَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ، أَوْ الْقَضِيَّةَ، أَوْ الرِّوَايَةَ قِيلَ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَالْقَضَاءَ وَالرِّوَايَةَ لَا يَحِلُّ إلَّا عَنْ عِلْمٍ وَلَا عِلْمَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ (وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ) كُلٌّ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالرِّوَايَةِ (إنْ كَانَ) الْخَطُّ (مَحْفُوظًا فِي يَدِهِ) وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الْحَادِثَةَ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ حِينَئِذٍ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ حِينَئِذٍ فِيمَا إذَا كَانَ مَحْفُوظًا فِي يَدِهِ فَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْخَطُّ مَحْفُوظًا فِي يَدِهِ، أَوْ لَا وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إنْ كَانَ مَحْفُوظًا فِي يَدِهِ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْخِلَافُ مُطْلَقٌ فَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَجَوَّزَ مُحَمَّدٌ فِي الْكُلِّ وَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ لِلرَّاوِي وَالْقَاضِي دُونَ الشَّاهِدِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَجَزَمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّهُ يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ.
وَفِي السِّرَاجِ وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَقَوْلُهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّفْصِيلُ.
(وَلَا يَشْهَدُ) أَحَدٌ (بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ) بِالْإِجْمَاعِ لِمَا تَلَوْنَاهُ آنِفًا (إلَّا النَّسَبَ) بِأَنَّ فُلَانًا بْنَ فُلَانٍ، أَوْ أَخُوهُ (وَالْمَوْتَ) بِأَنَّ فُلَانًا قَدْ مَاتَ (وَالنِّكَاحَ) بِأَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ (وَالدُّخُولَ) بِأَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ دَخَلَ بِهَا (وَوِلَايَةَ الْقَاضِي) بِأَنَّ فُلَانًا قَدْ تَوَلَّى الْقَضَاءَ مِنْ جِهَةِ فُلَانٍ الْإِمَامِ (وَأَصْلَ الْوَقْفِ) بِأَنَّ فُلَانًا وَقَفَ هَذِهِ الضَّيْعَةَ مَثَلًا هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى الْمِلْكِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي آخَرِ الْوَقْفِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَخْتَصُّ لِمُعَايَنَةِ أَصْحَابِهَا وَهُمْ خَوَاصُّ النَّاسِ وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَحْكَامُ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ فِيهِمَا بِالتَّسَامُعِ لَتَعَطَّلَتْ أَحْكَامُهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ أَصْلُ الْوَقْفِ احْتِرَازٌ عَنْ شَرَائِطِهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْوَقْفِ أَنَّهَا تُقْبَلُ بِالتَّسَامُعِ عَلَى أَصْلِهِ لَا عَلَى شَرَائِطِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَتَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ أَصْلِهِ وَمَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِطِ وَفِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ الْمُخْتَارُ أَنْ لَا تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ عَلَى شَرَائِطِ الْوَقْفِ وَفِي الْمُجْتَبَى الْمُخْتَارُ أَنْ تُقْبَلَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي آخِرِ الْوَقْفِ وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهَا بِهِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْوَلَاءِ وَالْعِتْقِ وَاخْتَلَفَ الْفَحْلَانِ فِي نَقْلِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعِتْقِ فَنَقَلَ السَّرَخْسِيُّ عَدَمَ قَبُولِهَا فِيهِ إجْمَاعًا وَنَقَلَ أُسْتَاذُهُ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَنْقُولِ فِي الْوَلَاءِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْجَوَازُ فِيهِمَا وَمِنْ ذَلِكَ الْمَهْرُ فَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ بِهِ وَلَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْخِزَانَةِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ (إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا) أَيْ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا أَخْبَرَهُ (مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ عَدْلَيْنِ، أَوْ عَدْلٍ وَعَدْلَتَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ نِصَابٍ يُفِيدُ نَوْعَ الْعِلْمِ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلُهُ إذَا أَخْبَرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْكُلِّ وَأَمَّا الَّذِي يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ لَفْظِهَا وَشُرِطَتْ فِي الْعِنَايَةِ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا قَالُوا وَالِاكْتِفَاءُ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ قَوْلُهُمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ مَا لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ الْعَامَّةِ بِحَيْثُ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ صِدْقُ الْخَبَرِ (وَفِي الْمَوْتِ يَكْفِي الْعَدْلُ وَلَوْ) كَانَتْ (أُنْثَى هُوَ الْمُخْتَارُ) كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَ تِلْكَ الْحَالَةَ فَلَا يَحْضُرُهُ غَالِبًا إلَّا وَاحِدٌ عَدْلٌ، أَوْ وَاحِدَةٌ عَدْلَةٌ وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَبَرِ عَدْلَيْنِ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي الْمَوْتِ وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ كَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْمُخْبِرِ فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَلَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْمَوْتِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ هِيَ إذَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ إلَّا وَاحِدٌ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ مَاذَا يَصْنَعُ قَالُوا يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَدْلًا مِثْلَهُ وَإِذَا سَمِعَ مِنْهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَوْتِهِ فَيَشْهَدُ هُوَ مَعَ ذَلِكَ الشَّاهِدِ فَيَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا (وَيَشْهَدُ مَنْ رَأَى جَالِسًا مَجْلِسَ الْقَضَاءِ) حَالَ كَوْنِ الْجَالِسِ (يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْخُصُومُ أَنَّهُ قَاضٍ) أَيْ يَحِلُّ أَنْ يَشْهَدَ الرَّاعِي عَلَى أَنَّ الْجَالِسَ قَاضٍ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ تَقْلِيدَ الْإِمَامِ إيَّاهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ (وَ) يَشْهَدُ (مَنْ رَأَى رَجُلًا وَامْرَأَةً يَسْكُنَانِ مَعًا) فِي بَيْتٍ (وَبَيْنَهُمَا انْبِسَاطُ الْأَزْوَاجِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ) أَيْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ عَقْدَ النِّكَاحِ وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِالرُّؤْيَةِ لَكِنْ ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَ) يَشْهَدُ (مَنْ رَأَى شَيْئًا سِوَى الْآدَمِيِّ فِي يَدِ مُتَصَرِّفٍ) عُرِفَ بِوَجْهِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ (فِيهِ تَصَرُّفُ الْمُلَّاكِ أَنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءَ (لَهُ) أَيْ لِلْمُتَصَرِّفِ (إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ) أَيْ قَلْبِ الرَّائِي (ذَلِكَ) أَيْ كَوْنَهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ أَسْبَابَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمَلِكِ إذْ هِيَ مَرْجِعُ الدَّلَالَةِ فِي الْأَسْبَابِ كُلِّهَا فَيَكْتَفِي بِهَا.
وَفِي الْبَحْرِ قَوْلُهُ إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالُوا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ فِي الرِّوَايَةِ.
وَفِي الْفَتْحِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْكُلِّ وَبِهِ نَأْخُذُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا انْتَهَى.
وَمِنْ ثَمَّةَ قَيَّدَهُ بِوُقُوعِهِ فِي الْقَلْبِ فَلَوْ رَأَى دُرَّةً فِي يَدِ كَنَّاسٍ، أَوْ كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ لَا يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ لَهُ بِمُجَرَّدِ يَدِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (وَالْآدَمِيَّ) أَيْ لَوْ رَأَى شَيْئًا وَهُوَ آدَمِيٌّ (إنْ عَلِمَ رِقَّهُ، أَوْ كَانَ صَغِيرًا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ لَا يَكُونُ مُمَيِّزًا (فَكَذَلِكَ) يَعْنِي يَحِلُّ لِلرَّائِيَّ فِي يَدِ مُتَصَرِّفٍ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَكُونُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَدَ لَهُ فَثَبَتَ يَدُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ حَقِيقَةً فَصَارَ كَالْمَتَاعِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا، أَوْ صَغِيرًا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ رِقَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّائِي أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا عَلَى نَفْسِهِمَا تَدْفَعُ يَدَ الْغَيْرِ عَنْهُمَا فَانْعَدَمَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِمَا أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالثَّبَاتِ وَإِنَّمَا يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ فَلَوْ أَخْبَرَاهُ لَمْ تَجُزْ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ لَهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ فِي تَقْرِيرِ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ عَنْ سَمَاعٍ، أَوْ مُعَايَنَةِ يَدٍ لَمْ يَقْبَلْهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِسَمَاعِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُ وَلَا بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ فِي يَدِ إنْسَانٍ سَهْو انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِهِ قَضَاءً مُحْكَمًا مُبْرَمًا بِحَيْثُ لَوْ ادَّعَى الْخَصْمُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ صَرَّحَ قُبَيْلَ هَذَا بِأَنَّهُ يَقْضِي بِهِ قَضَاءَ تَرْكٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ مَا دَامَ خَصْمُهُ لَا حُجَّةَ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ فَسَّرَ) الشَّاهِدُ (لِلْقَاضِي أَنَّهُ شَهِدَ بِالتَّسَامُعِ) فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ فِيهِ أَنْ يَشْهَدَ بِالتَّسَامُعِ بِأَنْ يَقُولَ إنِّي أَشْهَدُ عَلَى هَذَا بِالِاسْتِمَاعِ (أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ) بِأَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ لِأَنِّي رَأَيْتُهُ فِي يَدِهِ (لَا يَقْبَلُهَا) أَيْ لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ إلَّا فِي الْوَقْفِ وَالْمَوْتِ فَتُقْبَلُ لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الْوَقْفِ تُقْبَلُ وَإِنْ فَسَّرَهَا وَفِي النَّسَبِ وَالنِّكَاحِ أَيْضًا وَإِنْ فَسَّرَهَا فِي الْأَصَحِّ وَفِي الْمَوْتِ إنْ كَانَ مَشْهُورًا وَإِنْ فَسَّرَهَا بِأَنَّهُ سَمِعَهُ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ انْتَهَى.
لَكِنْ إذَا أُسْنِدَ إلَى مَنْ يُوثَقُ بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِي الزَّاهِدِيِّ شَهِدَا فِيمَا يَصِحُّ بِالشُّهْرَةِ وَقَالَا لَمْ نُعَايِنْ وَلَكِنْ اُشْتُهِرَ عِنْدَنَا تُقْبَلُ (وَمَنْ شَهِدَ أَنَّهُ حَضَرَ دَفْنَ زَيْدٍ، أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ بِالِاتِّفَاقِ (وَهُوَ) أَيْ حُضُورُ دَفْنِ زَيْدٍ، أَوْ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ (عِيَانٌ) لِلْمَوْتِ حُكْمًا حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِمَا عَلِمَ فَوَجَبَ قَبُولُهَا.

.بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا تُسْمَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَمَا لَا تُسْمَعُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تُسْمَعُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ وَمَنْ لَا تُسْمَعُ وَقَدَّمَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ مَحَالُّ الشَّهَادَةِ وَالْمَحَالُّ شُرُوطٌ وَالشُّرُوطُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنَّ الْمَشْرُوطَ هُوَ الشَّهَادَةُ لَا مَنْ تُسْمَعُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ تَأَمَّلْ.
وَفِي الْبَحْرِ يُقَالُ قَبِلْتُ الْقَوْلَ حَمَلْتُهُ عَلَى الصِّدْقِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُرَادُ مَنْ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى الْقَاضِي وَمِنْ لَا يَجِبُ لَا مَنْ يَصِحُّ قَبُولُهَا وَمَنْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرَهُ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ: شَهَادَةُ الْفَاسِقِ وَهُوَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ صَحَّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْأَصْلِ لَكِنْ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِيَيْنِ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى، أَوْ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ، أَوْ بِشَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَعَ آخَرَ لِصَاحِبِهِ، أَوْ بِشَهَادَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَعَكْسُهُ نَفَذَ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلثَّانِي إبْطَالُهُ، وَإِنْ رَأَى بُطْلَانَهُ انْتَهَى.
فَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ حِلِّهِ انْتَهَى.
(لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يُسْمَعُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِشَبَهِهَا بِنَغْمَةٍ أُخْرَى.
وَقَالَ زُفَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ تُقْبَلُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ؛ لِأَنَّهُ فِي السَّمَاعِ كَالْبَصِيرِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَزَاهُ إلَى النِّصَابِ جَازَ مَا بِهِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ انْتَهَى.
لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ مُخْتَارٌ وَإِنَّمَا قَالَ.
وَفِي النِّصَابِ: وَشَهَادَةُ الْأَعْمَى لَا تَجُوزُ إلَّا فِي النَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَمَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَجَزَمَ بِهِ فِي النِّصَابِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَالشَّافِعِيِّ فِي الدَّيْنِ وَالْعَقَارِ (فِيمَا إذَا تَحَمَّلَهَا بَصِيرًا) وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالدَّيْنِ وَالْعَقَارِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَنْقُولِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْإِشَارَةِ، وَالدَّيْنُ يُعْرَفُ بِبَيَانِ الْجِنْسِ، أَوْ الْوَصْفِ، وَالْعَقَارُ بِالتَّحْدِيدِ وَكَذَا فِي الْحُدُودِ لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إذَا تَحَمَّلَهَا بَصِيرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَمَّلَهَا أَعْمَى لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُجْمَعِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ الْمُرَادَ اتِّفَاقُ غَيْرِ مَالِكٍ وَإِلَّا فَعِنْدَهُ مَقْبُولَةٌ قِيَاسًا عَلَى قَبُولِ رِوَايَتِهِ تَدَبَّرْ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ قِيَامَ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ شَرْطٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِصَيْرُورَتِهَا حُجَّةً عِنْدَهُ وَقَدْ بَطَلَتْ وَصَارَ كَمَا إذَا خَرِسَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ فَسَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتُوا، أَوْ غَابُوا؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْمَوْتِ قَدْ انْتَهَتْ وَبِالْغِيبَةِ مَا بَطَلَتْ انْتَهَى.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ فِي نَفْسِ قَضَاءِ الْقَاضِي لِلْعَمَى الْعَارِضِ لِلشَّاهِدِ بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ فَيَكُونُ الْأَدَاءُ عِنْدَهُ حُجَّةٌ.
(وَلَا) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ الْمَمْلُوكِ) سَوَاءٌ كَانَ قِنًّا، أَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُعْتَقَ الْبَعْضِ (وَالصَّبِيَّ)؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا (إلَّا إنْ تَحَمَّلَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (حَالَ الرِّقِّ وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ)؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالسَّمَاعِ وَيَبْقَى إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ بِالضَّبْطِ وَهُمَا لَا يُنَافِيَانِ ذَلِكَ وَهُمَا أَهْلٌ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا تَحَمَّلَهَا عَلَى مُسْلِمٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَدَّاهَا تُقْبَلُ وَكَذَا الزَّوْجُ إذَا تَحَمَّلَهَا لِامْرَأَتِهِ فَأَبَانَهَا ثُمَّ شَهِدَ لَهَا.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَمَتَى رُدَّتْ الشَّهَادَةُ لِعِلَّةٍ ثُمَّ زَالَتْ الْعِلَّةُ فَشَهِدَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ الْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْأَعْمَى وَالصَّبِيُّ.
وَفِي النِّصَابِ إذَا شَهِدَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا تُقْبَلُ وَالْمُرَادُ مِنْ الصِّغَرِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ تَمْيِيزٍ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الصِّغَرِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَالتَّمْيِيزُ مَكَانُ الصِّغَرِ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ لَكَانَ أَوْلَى وَفِيمَا قَالَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ شَهَادَةَ الْمَمْلُوكِ وَيَحْكُمَ بِهِ وَإِنْ حَكَمَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ، فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي قَالَ وَرَدُّ شَهَادَةِ الْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيِّ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِيهِمَا فَيَكُونَانِ مُجْتَهِدًا فِيهِمَا تَتَبَّعْ.
(وَلَا) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ) أَيْ لِقَذْفِهِ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (تَابَ) عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} وقَوْله تَعَالَى {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا} اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ إذْ هُوَ إخْبَارٌ وَمَا قَبْلَهُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى فَإِذَا صَارَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ لَا يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ إلَى مَا قَبْلَهُ.
وَفِي الْبَحْرِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ فَلْيُرَاجَعْ؛ وَلِأَنَّ رَدَّ شَهَادَتِهِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ قَبْلَ الْحَدِّ تُقْبَلُ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا تَسْقُطُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ مَا لَمْ يُضْرَبْ تَمَامَ الْحَدِّ وَعَنْ الْإِمَامِ سُقُوطُهَا يُضْرَبُ الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ أَيْضًا سُقُوطُهَا بِضَرْبِ وَاحِدٍ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تُقْبَلُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا} إذْ الِاسْتِثْنَاءُ مَتَى يَعْقُبُ كَلِمَاتٍ مَعْطُوفَاتٍ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ؛ وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ فِسْقُهُ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ لَكِنْ رَدُّ الشَّهَادَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُ حَدٌّ لَا لِلْفِسْقِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً بَعْدَمَا حُدَّ عَلَى أَنَّهُ زَنَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَهَا قَبْلَهُ لَمْ يُحَدَّ فَكَذَا لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ لَكَانَ، أَوْلَى تَدَبَّرْ (إلَّا إنْ حُدَّ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ) فَتُقْبَلُ عَلَى الْكَافِرِ وَعَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ شَهَادَةٌ أُخْرَى حَدَثَتْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَلْحَقْهَا رَدٌّ بِسَبَبِ الْحَدِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ عَتَقَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا فِي حَالِ رِقِّهِ فَيَتَوَقَّفُ الرَّدُّ عَلَى حُدُوثِهَا فَإِذَا حَدَثَ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ.
(وَلَا) تُقْبَلُ (الشَّهَادَةُ لِأَصْلِهِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (عَلَا) سَوَاءٌ كَانَ الْجَدُّ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا (وَفَرْعُهُ وَإِنْ سَفَلَ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ»؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهِ الِاتِّصَالِ فَلَا يَخْلُو مِنْ تَمَكُّنِ التُّهْمَةِ؛ وَلِهَذَا تُقْبَلُ عَلَى أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ إلَّا إذَا شَهِدَ الْجَدُّ عَلَى ابْنِهِ لِابْنِ ابْنِهِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ أَطْلَقَ الْفَرْعَ فَشَمِلَ الْوَلَدَ مِنْ وَجْهٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ الْمُلَاعِنِ لِأُصُولِهِ، أَوْ هُوَ لَهُ، أَوْ لِفُرُوعِهِ لِثُبُوتِهِ مِنْ وَجْهٍ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ مِنْ الرَّضَاعِ لَهُ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِأُمِّ زَوْجَتِهِ وَأَبِيهَا وَلِزَوْجِ ابْنَتِهِ وَلِامْرَأَةِ ابْنِهِ (وَعَبْدِهِ) أَيْ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْعَبْدِ دَيْنٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ؛ وَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ (وَمُكَاتَبِهِ) لِكَوْنِهِ عَبْدًا رَقَبَةً.
(وَ) لَا تُقْبَلُ (مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ».
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ بِلَا فَرْقٍ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ شَهِدَ الرَّجُلُ لِامْرَأَةٍ بِحَقٍّ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ وَلَوْ شَهِدَ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ عَدْلٌ وَلَمْ يَرُدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ حَتَّى طَلَّقَهَا بَائِنَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا رَوَى ابْنُ شُجَاعٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يُنْفِذُ شَهَادَتَهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ إنَّمَا تَمْنَعُ مِنْهَا وَقْتَ الْقَضَاءِ لَا وَقْتَ الْأَدَاءِ وَلَا وَقْتَ التَّحَمُّلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي كَلَامِ الْخَانِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُنْفِذُ شَهَادَتَهُ فِي الْعِدَّةِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهَا وَلَا شَهَادَتُهَا لَهُ انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ ثَلَاثٍ لَكَانَ، أَوْلَى تَدَبَّرْ.
(وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ لِنَفْسِهِ فَلَوْ شَهِدَ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.
(وَلَا) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ الْمُخَنَّثِ الَّذِي يَفْعَلُ الرَّدَى) لِارْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُخَنَّثِ هُوَ الَّذِي يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ بِاخْتِيَارِهِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَأَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرُ خِلْقَةً فَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ الْمُخَنِّثُ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُتَكَسِّرِ فِي أَعْضَائِهِ الْمُتَلَيِّنِ فِي كَلَامِهِ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ لِوَاطَةً (وَ) لَا شَهَادَةُ (النَّائِحَةِ) فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا وَلَوْ بِلَا أَجْرٍ (وَالْمُغَنِّيَةِ) لِارْتِكَابِهِمَا الْحَرَامَ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ النَّائِحَةُ وَالْمُغَنِّيَةُ قَيَّدْنَا بِمُصِيبَةِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ نَاحَتْ فِي مُصِيبَتِهَا تُقْبَلُ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِالتَّغَنِّي التَّغَنِّي بَيْنَ النَّاسِ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ التَّغَنِّي لَمْ يُسْقِطْ الْعَدَالَةَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْعَدُوِّ بِسَبَبِ دُنْيَا عَلَى عَدُوِّهِ)؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا حَرَامٌ فَيَظْهَرُ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ عَدَاوَتُهُ أَمَّا إذَا شَهِدَ لِمَنْفَعَتِهِ قُبِلَتْ لِعَدَمِ ظُهُورِ فِسْقِهِ مِنْ عَدَاوَتِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى تَرْكِهَا.
وَفِي الْقُنْيَةُ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بِسَبَبِ الدُّنْيَا لَا تَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا، أَوْ يَجْلِبْ بِهَا مَنْفَعَةً، أَوْ يَدْفَعْ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَضَرَّةً وَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْمَنْصُوصَةُ فَبِخِلَافِهَا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ عَدْلًا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ (وَمُدْمِنُ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) سَوَاءٌ شَرِبَ الْخَمْرَ، أَوْ الْمُسْكِرَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إذْ بِالْإِدْمَانِ وَالْإِعْلَانِ يَظْهَرُ فِسْقُهُ هَذَا إذَا شَرِبَ عَلَى اللَّهْوِ أَمَّا إذَا شَرِبَ لِلتَّدَاوِي فَلَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةِ لِكَوْنِ الْحُرْمَةِ مُخْتَلَفًا فِيهَا وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ قَالُوا إنَّمَا شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ عِنْدَ النَّاسِ؛ لِأَنَّ مَنْ اُتُّهِمَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فِي بَيْتِهِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرَةً وَإِنَّمَا تَبْطُلُ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ، أَوْ خَرَجَ سَكْرَانَ فَيَسْخَرُ مِنْهُ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْإِدْمَانِ الْإِدْمَانَ فِي النِّيَّةِ بِأَنْ يَشْرَبَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الشُّرْبُ مِنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ غَيْرُ شَارِبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ شَارِبَهَا مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ وَلَوْ قَطْرَةً فَلَا حَاجَةَ لِإِبْطَالِ شَهَادَتِهِ إلَى الْإِدْمَانِ وَلَا إلَى شُرْبِهَا عَلَى اللَّهْوِ.
وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْخِصَافَ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِ إدْمَانٍ وَمُحَمَّدٌ شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِسُقُوطِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَتَمَامُ التَّحْقِيقِ فِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ (وَمَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ) لِشِدَّةِ غَفَلْته وَإِصْرَارِهِ عَلَى نَوْعِ لَهْوٍ؛ لِأَنَّهُ غَالِبًا يَنْظُرُ إلَى الْعَوْرَاتِ فِي السُّطُوحِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ فِسْقٌ فَأَمَّا إذَا أَمْسَكَ الْحَمَامَ لِلِاسْتِئْنَاسِ وَلَا يُطَيِّرُهَا فَلَا تَزُولُ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهَا فِي الْبُيُوتِ مُبَاحٌ.
(أَوْ) يَلْعَبُ (بِالطُّنْبُورِ) لِكَوْنِهِ مِنْ اللَّهْوِ وَالْمُرَادُ مِنْ الطُّنْبُورِ كُلُّ لَهْوٍ يَكُونُ شَنِيعًا بَيْنَ النَّاسِ احْتِرَازًا عَمَّا لَمْ يَكُنْ شَنِيعًا كَضَرْبِ الْقَضِيبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ بِأَنْ يَرْقُصُونَ بِهِ فَيَدْخُلُ فِي حَدِّ الْكَبَائِرِ (، أَوْ يُغْنِي لِلنَّاسِ)؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى الْكَبِيرَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغِنَاءَ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ بَلْ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ لِلْوَحْشَةِ وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ بِعُمُومِ الْمَنْعِ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنَّمَا مَنَعَ مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ دَفْعًا لِلْوَحْشَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ فِي عُرْسٍ، أَوْ وَلِيمَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ نَظْمَ الْقَوَافِي وَفَصَاحَةَ اللِّسَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَهُ مُطْلَقًا.
(أَوْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ) مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْمُقَامَرَةِ أَوْ تَفْوِيتِ الصَّلَاةِ (، أَوْ يُقَامِرُ بِالشَّطْرَنْجِ، أَوْ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ بِسَبَبِهِ) أَيْ بِسَبَبِ الشِّطْرَنْجِ لِظُهُورِ الْفِسْقِ بِتَرْكِهِ الصَّلَاةَ وَكَذَا بِالْمُقَامَرَةِ أَمَّا بِدُونِهِمَا لَا يَمْنَعُ الْعَدَالَةَ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بِإِبَاحَتِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الشِّحْنَةِ إذَا كَانَ لِإِحْضَارِ الذِّهْنِ وَاخْتَارَ أَبُو زَيْدٍ حِلَّهُ.
وَفِي النَّوَازِلِ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ يَنْظُرُ إلَى لَاعِبِهِ مِنْ غَيْرِ لَعِبٍ أَيَجُوزُ فَقَالَ لَنْ يَصِيرَ فَاسِقًا، وَقَدْ سَوَّى بَيْنَ النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ فِي الْكَنْزِ فَقَالَ، أَوْ يُقَامِرُ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَدَالَةَ إنَّمَا تَسْقُطُ إذَا وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسَةٍ الْقِمَارُ وَفَوْتُ الصَّلَاةِ بِسَبَبِهِ وَإِكْثَارُ الْحَلِفِ عَلَيْهِ وَاللَّعِبُ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ، أَوْ يَذْكُرُ عَلَيْهِ فِسْقًا وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ النَّرْدِ فَإِنَّهُ مُسْقِطٌ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ فَلَا تَسَاهُلَ فِي تَرْكِهَا.
(، أَوْ يُرْتَكَبُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ) أَيْ يَأْتِي نَوْعًا مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ لِوُجُودِ تَعَاطِيه بِخِلَافِ اعْتِقَادِهِ وَذَا دَلِيلُ قِلَّةِ دِيَانَتِهِ فَلَعَلَّهُ يَجْتَرِئُ عَلَى الشَّهَادَةِ زُورًا كَمَا فِي الْكَافِي.
وَفِي الدُّرَرِ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ سِرًّا لَكِنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِارْتِكَابِ مَا يُحَدُّ بِهِ لَيْسَ ارْتِكَابُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحَدَّ بِهِ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِإِظْهَارِهِ وَاطِّلَاعِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ.
وَفِي الْبَحْرِ الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْحَثُّ عَلَيْهَا كَبِيرَةٌ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَائِعِ الْأَكْفَانِ وَقَيَّدَ السَّرَخْسِيُّ بِمَا إذَا تَرَصَّدَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ وَإِلَّا فَتُقْبَلُ لِعَدَمِ تَمَنِّيه الْمَوْتَ وَالطَّاعُونَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّكَّاكِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ، الصَّحِيحُ قَبُولُهَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطُّفَيْلِيِّ وَالرَّقَّاصِ وَالْمُجَازِفِ فِي كَلَامِهِ وَالْمَسْخَرَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَشْتُمُ أَهْلَهُ وَمَمَالِيكَهُ كَثِيرًا إلَّا أَحْيَانًا وَكَذَا الشَّتَّامُ لِلْحَيَوَانِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَخِيلِ وَاَلَّذِي أَخَّرَ الْفَرْضَ بَعْدِ وُجُوبِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ تَارِكِ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَكَذَا تَارِكُ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَا تَارِكُ الصَّلَاةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ السِّجْنِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ يَتَعَصَّبُونَ.
وَفِي الْبَحْرِ فَعَلَى هَذَا كُلُّ مُتَعَصِّبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ انْتَهَى.
فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي زَمَانِنَا شَهَادَةُ الْعُلَمَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَعَصِّبُونَ.
(، أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا) لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْ يَأْخُذُ الْقَدْرَ الزَّائِدَ وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ الْأَخْذُ وَشَرَطَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِأَكْلِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ التُّجَّارَ قَلَّمَا يَتَخَلَّصُونَ عَنْ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعَقْدِ وَكُلُّ ذَلِكَ رِبَا فَلَا بُدَّ مِنْ الِاشْتِهَارِ كَمَا فِي الدُّرَرِ.
(، أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِلَا إزَارٍ)؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُبَالَاةِ (، أَوْ يَفْعَلُ مَا يَسْتَخِفُّ بِهِ كَالْبَوْلِ وَالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ)؛ لِأَنَّهُ تَارِكُ الْمُرُوءَةِ وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَأْكُلُ غَيْرَ السُّوقِيِّ فِي السُّوقِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالْبَوْلِ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ وَكَذَا غَيْرُهُمَا فِي الْمُبَاحَاتِ الْقَادِحَةِ فِي الْمُرُوءَةِ كَصُحْبَةِ الْأَرَاذِلِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالنَّاسِ وَإِفْرَاطِ الْمَزْحِ وَالْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ مِنْ نَحْوِ الدِّبَاغَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالْحِجَامَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ الصَّحِيحُ الْقَبُولُ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَمِثْلُهُ النَّخَّاسُونَ وَالدَّلَّالُونَ (أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ) وَاحِدٍ مِنْ (السَّلَفِ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالْعُلَمَاءُ الْمُجْتَهِدُونَ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تَدُلُّ عَلَى قُصُورِ عَقْلِهِ وَمُرُوءَتِهِ وَمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْهَا لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَزَادَ فِي الْفَتْحِ الْعُلَمَاءُ وَلَوْ قَالَ، أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ مُسْلِمٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ تَسْقُطُ بِسَبِّ مُسْلِمٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّلَفِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا قَيَّدَ بِالْإِظْهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَمَهُ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ) وَلِسَائِرِ الْأَقَارِبِ غَيْرِ الْأَوْلَادِ (وَمَحْرَمِهِ رَضَاعًا، أَوْ مُصَاهَرَةً) كَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَزَوْجِ بِنْتِهِ وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ وَمَنَافِعَهَا مُتَمَيِّزَةٌ بَيْنَهُمْ وَلَا بُسُوطَةَ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ الْبَعْضِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ.
(وَ) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، أَوْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، أَوْ عَلَى الْكَفَرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ اعْتِقَادُهُمْ مُؤَدِّيًا إلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْقِبْلَةِ الَّذِينَ مُعْتَقَدُهُمْ غَيْرُ مُعْتَقَدِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ كَالْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ وَالْمُعَطِّلَةِ وَالْمُشَبِّهَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ فِرْقَةً عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّهَا لِاشْتِدَادِ فِسْقِهِمْ وَلَنَا أَنَّ فِسْقَهُمْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَلَمْ يُوقِعْهُمْ فِي هَذَا الْهَوَى إلَّا تَدَيُّنُهُمْ فَصَارَ كَمَنْ يَشْرَبُ الْمُثَلَّثَ، أَوْ يَأْكُلُ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مُسْتَبِيحًا لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي (إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ) هُمْ قَوْمٌ مِنْ غُلَاةِ الرَّوَافِضِ يَعْتَقِدُونَ اسْتِحْلَالَ الشَّهَادَةِ لِكُلِّ مَنْ حَلَفَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَقِيلَ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ لِشِيعَتِهِمْ وَاجِبَةً فَتُمَكَّنَ التُّهْمَةُ فِي شَهَادَتِهِمْ فَلَا تُقْبَلُ.
(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الذِّمِّيِّ عَلَى مِثْلِهِ) أَيْ عَلَى ذِمِّيٍّ آخَرَ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اخْتَلَفَا مِلَّةً) كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إذْ الْكُفْرُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا تُقْبَلُ إنْ تَخَالَفَا اعْتِقَادًا وَفِي الْغَرَرِ وَتُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ مَوْلَاهُ مُسْلِمٌ، أَوْ عَلَى حُرٍّ كَافِرٍ مُوَكِّلُهُ مُسْلِمٌ بِلَا عَكْسٍ.
(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ (عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ)؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ لَا بِالْمُسْتَأْمَنِ (دُونَ عَكْسِهِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمَنِ عَلَى الذِّمِّيِّ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَدْنَى حَالًا مِنْهُ.
(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْمُسْتَأْمَنِ عَلَى مِثْلِهِ إنْ كَانَا مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ) حَتَّى لَوْ كَانَا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُنْقَطِعَةٌ بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَتَيْنِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ مِلَّةٍ عَلَى أَهْلِ مِلَّةٍ أُخْرَى.
(وَ) تُقْبَل شَهَادَةُ (عَدُوٍّ بِسَبَبِ الدِّينِ) أَيْ بِأَمْرٍ دِينِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْذِبُ لِدِينِهِ كَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عَلِمَ ضِمْنًا؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ بِسَبَبِ الدُّنْيَا.
(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (مَنْ أَلَمَّ بِصَغِيرَةٍ) أَيْ ارْتَكَبَ صَغِيرَةً بِلَا إصْرَارٍ عَلَيْهَا (إنْ اجْتَنِبْ الْكَبَائِرَ) أَيْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْكَبَائِرِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ اجْتِنَابُ الْإِصْرَارِ عَلَى الْكَبَائِرِ فَلَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مَرَّاتٍ قَبْلَ شَهَادَتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَبِيرَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالدِّينِ (وَغَلَبَ صَوَابُهُ) عَلَى خَطَئِهِ أَيْ كَثُرَتْ حَسَنَاتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَيِّئَاتِهِ مِمَّنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ، وَفِي الِاخْتِيَارِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَلَاحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ مُعْتَادًا لِلصِّدْقِ مُجْتَنِبًا عَنْ الْكَذِبِ صَحِيحَ الْمُعَامَلَةِ فِي الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مُؤَدِّيًا لِلْأَمَانَةِ قَلِيلَ اللَّهْوِ وَالْهَذَيَانِ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا تَغُرَّنَّكُمْ طَنْطَنَةُ الرَّجُلِ فِي صَلَاتِهِ اُنْظُرُوا إلَى حَالِهِ عِنْدَ دِرْهَمِهِ وَدِينَارِهِ أَمَّا الْإِلْمَامُ بِمَعْصِيَةٍ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِمَا فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ مِنْ سَدِّ بَابِ الشَّهَادَةِ انْتَهَى.
(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْأَقْلَفِ) لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ عَنْ قَيْدِ الْخِتَانِ لِكَوْنِهِ سُنَّةً عِنْدَنَا أَطْلَقَهُ تَبَعًا لِمَا فِي الْكَنْزِ لَكِنْ قَيَّدَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ بِأَنْ يَتْرُكَهُ لِعُذْرٍ كَالْكِبَرِ، أَوْ خَوْفِ الْهَلَاكِ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِعْرَاضِ عَنْ السُّنَّةِ، أَوْ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ فَلَا تُقْبَلُ فَالْإِمَامُ لَمْ يُقَدِّرْ وَقْتَ الْخِتَانِ بِوَقْتٍ وَغَيْرُهُ مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَقِيلَ إلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ.
(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْخَصِيِّ) فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَبِلَ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ قُطِعَ مِنْهُ عُضْوٌ ظُلْمًا كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ ظُلْمًا وَكَذَا الْأَقْطَعُ إذَا كَانَ عَدْلًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فِي سَرِقَةٍ ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَشْهَدُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَوَلَدِ الزِّنَاءِ)؛ لِأَنَّ فِسْقَ الْأَبَوَيْنِ لَا يُوجِبُ فِسْقَ الْوَلَدِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَالْخُنْثَى) إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا يُجْعَلُ امْرَأَةً فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ احْتِيَاطًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَالنِّسَاءِ (وَالْعُمَّالِ) وَالْمُرَادُ بِهِمْ عُمَّالُ السُّلْطَانِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَةَ كَالْخَرَاجِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ لَيْسَ بِفِسْقٍ فَتُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا عَلَى الظُّلْمِ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقِيلَ الْعَامِلُ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ لَا يُجَازِفُ فِي كَلَامِهِ تُقْبَلُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا عُدُولًا تُقْبَلُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ أَرَادَ بِالْعُمَّالِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ وَيُؤَاجِرُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ رَدَّ شَهَادَتَهُمْ مِنْ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ الْخَسِيسَةِ فَأَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِإِظْهَارِ مُخَالَفَتِهِمْ.
وَفِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ أَنَّ شَهَادَةَ الرَّئِيسِ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا الْجَابِي وَالْمُرَادُ بِالرَّئِيسِ رَئِيسُ الْقَرْيَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا شَيْخُ الْبَلَدِ وَمِثْلُهُ الْمُعَرِّفُونَ فِي الْمَرَاكِبِ وَالْعُرَفَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَضَمَانُ الْجِهَاتِ فِي بِلَادِنَا؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَعْوَانٌ عَلَى الظُّلْمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْمُعْتَقِ) بِفَتْحِ التَّاءِ (لِمُعْتَقِهِ) وَعَكْسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهَا وَقَدْ قَبِلَ شُرَيْحٌ شَهَادَةَ قَنْبَرٍ وَهُوَ جَدُّ سِيبَوَيْهِ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَكَانَ عَتِيقَهُ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْعَتِيقَ لَوْ كَانَ مُتَّهَمًا لَمْ تُقْبَلْ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ شَهِدَ الْعَبْدَانِ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى الثَّمَنِ كَذَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ نَفْعًا لِأَنْفُسِهِمَا نَفْعًا بِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَتَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ الْمُقْتَضِي لِإِبْطَالِ الْعِتْقِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ اشْتَرَى غُلَامَيْنِ وَأَعْتَقَهُمَا فَشَهِدَا لِمَوْلَاهُمَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَا نَفْعًا وَلَا يَدْفَعَانِ مَغْرَمًا وَشَهَادَتُهُمَا بِأَنَّ الْبَائِعَ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الثَّمَنِ كَشَهَادَتِهِمَا بِالْإِيفَاءِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(وَالْمُعْتَبَرُ حَالَ الشَّاهِدِ وَقْتُ الْأَدَاءِ لَا) وَقْتُ (التَّحَمُّلِ) كَمَا بَيَّنَّاهُ.
(وَلَوْ شَهِدَا) أَيْ ابْنَا الْمَيِّتِ (أَنَّ أَبَاهُمَا، أَوْصَى إلَى زَيْدٍ) أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا (وَزَيْدٌ يَدَّعِيه) أَيْ الْإِيصَاءُ قَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي أَيْ الْوَصِيُّ يَرْضَى انْتَهَى.
لَكِنَّ الدَّعْوَى تَسْتَلْزِمُ الرِّضَا بِطَرِيقِ ذِكْرِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ تَدَبَّرْ (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمَا.
(وَإِنْ أَنْكَرَ) ذَلِكَ الْوَصِيُّ (فَلَا) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَ أَحَدٍ عَلَى قَبُولِ الْوَصِيَّةِ.
(وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ وَكَّلَهُ) أَيْ زَيْدًا بِقَبْضِ دَيْنِهِ، أَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ (لَا تُقْبَلُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (ادَّعَاهُ)؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ بِتَعْيِينِهِمَا فَشَهَادَتُهُمَا تَصِيرُ لِنَفْعِهِمَا إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَاضَعَا مَعَ الْوَكِيلِ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَصِيِّ عِنْدَ الطَّلَبِ وَالْحَاجَةِ فَبِشَهَادَتِهِمَا، أَوْلَى وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ يَمْنَعُ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا مَنْ يَقُومُ بِإِحْيَاءِ حُقُوقِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ ادَّعَاهُ يَرْجِعُ إلَى الْوَكَالَةِ أَيْ وَإِنْ ادَّعَى الْوَكِيلُ الْوَكَالَةَ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَإِنْ ادَّعَاهَا بِالتَّأْنِيثِ لَكَانَ أَظْهَرَ.
(وَلَوْ شَهِدَ دَايِنَا مَيِّتٍ) أَيْ لَوْ شَهِدَ غَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا (أَنَّهُ) أَيْ الْمَيِّتَ (أَوْصَى إلَى زَيْدٍ) أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا (وَهُوَ) أَيْ زَيْدٌ (يَدَّعِيه) أَيْ الْإِيصَاءَ (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمَا كَمَا إذَا شَهِدَا بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لِرَجُلَيْنِ ثُمَّ شَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِدِينٍ عَلَى الْمَيِّتِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَشْهَدُ بِالدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَلَا شَرِكَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الْقَبْضِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ إذَا قَبَضَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ بِدَيْنِهِ يُشْرِكُهُ الْفَرِيقُ الْآخَرُ فَصَارَ كُلٌّ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَكَذَا لَوْ شَهِدَ مَدْيُونَاهُ) أَيْ لَوْ شَهِدَ مَدْيُونَا مَيِّتٍ أَنَّ الْمَيِّتَ، أَوْصَى إلَى زَيْدٍ وَهُوَ يَدَّعِيه قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ يَمْنَعُ الْجَوَازَ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّائِنِينَ قَصَدَا مَنْ يُؤَدِّي حَقَّهُمَا وَالْمَدْيُونِينَ قَصَدَا الْبَرَاءَةَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ (أَوْ) شَهِدَ (مَنْ أَوْصَى لَهُمَا) بِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ، أَوْصَى إلَى زَيْدٍ وَهُوَ يَدَّعِيه (أَوْ) شَهِدَ (وَصِيَّاهُ) بِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ، أَوْصَى إلَى زَيْدٍ وَهُوَ يَدَّعِيه قُبِلَتْ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ يَمْنَعُ الْجَوَازَ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَرَادَا نَصْبَ مَنْ يُوَصِّلُ حَقَّهُمَا فِي الْأُولَى وَنَصْبَ مَنْ يُعِينُهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فِي الثَّانِيَةِ فَالنَّفْعُ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا فَلَا تُقْبَلُ لَا يُقَالُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ إذَا كَانَ لَهُ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ لِإِقْرَارِهِمَا بِالْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ جَاحِدًا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَ أَحَدٍ عَلَى قَبُولِ الْوِصَايَةِ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَوْتِ مَعْرُوفًا فِي الْكُلِّ أَيْ ظَاهِرًا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ شَهِدَ الْوَصِيُّ بَعْدَ الْعَزْلِ لِلْمَيِّتِ إنْ خَاصَمَ لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَ الْوَكِيلُ بَعْدَ عَزْلِهِ لِلْمُوَكَّلِ إنْ خَاصَمَ لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا تُقْبَلُ ثُمَّ قَالَ نَقْلًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ:
وَأَمَّا شَهَادَةُ الْوَصِيِّ بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ، أَوْ بَعْدَهَا لَا تُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ الْوَصِيُّ بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ بَعْدَمَا أَدْرَكَتْ الْوَرَثَةُ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الْوَصِيُّ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ صَغِيرًا لَا تَجُوزُ اتِّفَاقًا وَإِنْ بَالَغَا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ وَلَوْ شَهِدَ لِكَبِيرٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ تُقْبَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ شَهِدَ لِلْوَارِثِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ فِي غَيْرِ مِيرَاثٍ لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِوَارِثٍ بَالِغٍ تُقْبَلُ انْتَهَى.
(وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ) حَالَ كَوْنِهَا مُشْتَمِلَةً (عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ) أَيْ جَارِحِيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ أَيْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْجَرْحِ مِنْ دَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلِذَا يُقَالُ لَهُ الْجَرْحُ الْمُفْرَدُ (وَهُوَ) أَيْ الْجَرْحُ الْمُجَرَّدُ (مَا يَفْسُقُ بِهِ) شَاهِدُ الْمُدَّعِي الْمُعَدَّلُ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ التَّعْدِيلِ لَا سِيَّمَا إذَا جُرِحَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُسْمَعُ وَيُحْكَمُ بِهِ وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْخَصَّافِ (مِنْ غَيْرِ إيجَابِ حَقٍّ لِلشَّرْعِ) كَوُجُوبِ الْحَدِّ (أَوْ لِلْعَبْدِ) كَوُجُوبِ الْمَالِ فَلَوْ، أَوْجَبَهُ تُقْبَلُ (نَحْوُ) أَنْ يَشْهَدُوا (هُوَ) أَيْ الشَّاهِدُ (فَاسِقٌ، أَوْ آكِلُ رِبًا وَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ)، أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ فِي وَقْتِ، أَوْ زَانٍ فِي وَقْتٍ، أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورِ أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ أَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ بَعْدَمَا ثَبَتَتْ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ، أَوْ الْعَبْدِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ إثْبَاتُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَتْ قَبْلَ التَّعْدِيلِ فَإِنَّهَا كَافِيَةٌ فِي الدَّفْعِ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَهُوَ السِّرُّ فِي كَوْنِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولًا قَبْلَ التَّعْدِيلِ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ وَلِذَا قَيَّدْنَا بِالْمُعَدَّلِ وَغَيْرِ مَقْبُولٍ بَعْدَهُ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى نِصَابِ الشَّهَادَةِ وَإِثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ، أَوْ الْعَبْدِ كَمَا فِي الدُّرَرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ كَمَا فِي الْغَرَرِ لَكَانَ، أَوْلَى.
(وَتُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ) أَيْ بِفِسْقِ شُهُودِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا أَظْهَرُوا الْفَاحِشَةَ بَلْ حَكَوْا عَنْهُ وَالْإِقْرَارُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ لَيْسَتْ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ هَتْكَ السِّتْرِ وَبِهِ يَثْبُتُ الْفِسْقُ فَلَا تُقْبَلُ.
(وَ) تُقْبَلُ (عَلَى أَنَّهُمْ) أَيْ الشُّهُودَ (عَبِيدٌ)، أَوْ أَحَدَهُمْ عَبْدٌ (أَوْ) أَنَّهُمْ (مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ، أَوْ) أَنَّهُمْ (شَارِبُو خَمْرٍ) الْآنَ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ إذْ لَوْ كَانَ مُتَقَادِمًا لَا تُقْبَلُ كَمَا مَرَّ وَكَذَا تُقْبَلُ عَلَى أَنَّهُمْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا، أَوْ زَنَوْا بِالنِّسْوَةِ بِلَا تَقَادُمٍ مَا لَمْ يَزُلْ الرِّيحُ فِي الْخَمْرِ وَلَمْ يَمْضِ شَهْرٌ فِي الْبَاقِي (أَوْ) أَنَّهُمْ (قَذَفَةٌ) لِفُلَانٍ وَهُوَ يَدَّعِيه فَإِنَّ الْكُلَّ يُوجِبُ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَهُوَ الرِّقُّ فِي الْعَبْدِ وَالْحَدُّ فِي الْبَاقِي (أَوْ) أَنَّهُمْ (شُرَكَاءُ الْمُدَّعِي) شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ وَالْمُدَّعِي مَالًا لِوُجُودِ التُّهْمَةِ كَمَا إذَا شَهِدَ وَلَدُ الْمُدَّعِي، أَوْ وَالِدُهُ (أَوْ أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِيَ (اسْتَأْجَرَهُمْ لَهَا)، أَوْ لِلشَّهَادَةِ (بِكَذَا وَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ) أَيْ الْأَجْرَ (مِمَّا عِنْدَهُ) أَيْ مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي عِنْدَهُ فَيَكُونُ مَا مَوْصُولَةٌ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ مَالِي عِنْدَهُ أَيْ مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ فَثَبَتَ الْجَرْحُ بِنَاءً عَلَيْهِ (أَوْ) أَنَّهُمْ عَلَى (أَنِّي صَالَحْتهمْ بِكَذَا) مِنْ الْمَالِ (وَدَفَعْته) أَيْ الْمَالَ (إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى الشُّهُودِ (عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ) بِهَذَا الْبَاطِلِ (فَشَهِدُوا) فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَرُدُّوا الْمَالَ عَلَى أَنَّهُمْ أَخْصَامٌ فِي ذَلِكَ (وَمَنْ شَهِدَ وَلَمْ يَبْرَحْ) أَيْ لَمْ يَزُلْ عَنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي (حَتَّى قَالَ، أَوْهَمْت بَعْضَ شَهَادَتِي) مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ فِي بَعْضِ شَهَادَتِي (قُبِلَ إنْ كَانَ عَدْلًا) وَالْمُرَادُ بِالْقَبُولِ قَبُولُ شَهَادَتِهِ لَا قَبُولُ قَوْلِهِ: أَوْهَمَتْ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ، أَوْهَمَتْ أَيْ أَخْطَأْت بِنِسْيَانٍ مَا كَانَ بِحَقٍّ عَلَى ذِكْرِهِ، أَوْ بِزِيَادَةٍ كَانَتْ بَاطِلَةً وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُبْتَلَى بِمِثْلِهِ لِمَهَابَةِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ وَاضِحًا فَيُقْبَلُ إذَا تَدَارَكَهُ فِي أَوَانِ الْمَجْلِسِ وَهُوَ عَدْلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ عَادَ وَقَالَ: أَوْهَمْت؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الزِّيَادَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بِتَلْبِيسٍ وَخِيَانَةٍ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ؛ وَلِأَنَّ الْمَجْلِسَ إذَا اتَّحَدَ لَحِقَ الْمُلْحَقُ بِأَصْلِ الشَّهَادَةِ فَصَارَ كَكَلَامٍ وَاحِدٍ وَلَا كَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ وَعَلَى هَذَا إذَا وَقَعَ الْغَلَطُ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ، أَوْ فِي بَعْضِ النَّسَبِ وَهَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ شُبْهَةٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا بَأْسَ بِإِعَادَةِ الْكَلَامِ أَصْلًا مِثْلُ أَنْ يَدَعَ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ وَإِنْ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ عَدْلًا وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى.
وَفِي الدُّرَرِ إذَا تَذَكَّرَ لَفْظًا بَعْدَمَا شَهِدَ فِي شَهَادَتِهِ فَذَكَرَهُ يُقْبَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُنَاقَضَةٌ وَأَطْلَقَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْرَحْ عَنْ مَكَانِهِ جَازَ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَدَمُ الْمُنَاقَضَةِ وَأَنَّهُ شَرْطٌ حَسَنٌ ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ.